قمة النقب عقدت وفق مفهوم (الشرق الأوسط الجديد) حيث تسعى إسرائيل عبر حليفتها أمريكا إلى تشكيل قوة إقليمية تعيد تشكيل المنطقة، بما يتوافق مع مصالحها وطموحاتها التي لا تتوافق بالضرورة مع مصالح الدول والشعوب في المنطقة ذاتها.
وأول إشارة لهذا المشروع كانت عندما نشر شمعون بيريز رئيس الكيان الإسرائيلي ورئيس وزرائها الأسبق كتابه عن (الشرق الأوسط الجديد) خلال التسعينيات من القرن الماضي، التي كشفت التوجهات الجديدة في المنطقة العربية، والتي تقود إلى الاعتقاد بأن الحقبة الإسرائيلية قد حانت.
أما المؤشر الثاني على مفهوم الشرق الأوسط الجديد، كانت عندما ورد في قاموس وزارة الخارجية الأمريكية عبارة (الشرق الأوسط الكبير) وتوافق العالم على أن عصر القطبية الثنائية قد انتهى، ولم يبقَ إلا قطب واحد مؤثر في العالم. أما المؤشر الثالث، فهو من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وضع رالف بيترز أسس الشرق الأوسط الجديد على الطريقة الأمريكية في كتابه الشهير (حدود الدم)، ويرى البعض أن مشروع بيرز سيرى النور تدريجيا بعد قرن من اتفاقية سايكس- بيكو البريطانية الفرنسية.
تداعيات الحرب الأوكرانية دفعت إسرائيل إلى الشروع وتسويق مخطط الشرق أوسط جديد، بزعامة إسرائيل وعلى قاعدة شطب فلسطين والشعب الفلسطيني من خارطة هذا الشرق، وفق ما خطط له من المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، التي ارتأت أن الصراع مع الفلسطينيين غير قابل للحل، وقررت شطب تداول القضية الفلسطينية من الأجندات الدولية والإقليمية، في الوقت الذي تُعمق فيه سيطرتها وهيمنتها على الأرض وتحكم شعبا آخر بنظام "الأبارتهايد" ومنظومة قوانينه العنصرية.
ويترافق الاستفراد والتحكم الإسرائيلي بالقضية الفلسطينية، بصعود دولة الكيان الإسرائيلي وانتقالها من موقع معزول إلى موقع مؤثر ومرموق في إطار النظام الدولي والإقليمي والعربي، وهو ما لم تكن تحلم به.
لسوء الطالع، نشهد في السنوات الأخيرة الكثير من الدول تخطب ود إسرائيل وتبرم الاتفاقات معها والصفقات وتشاطرها الموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سواء بعزل الاتفاقات عن حل الصراع المتفجر وعن وقف الانتهاكات، أو بالتجاهل والصمت، وكأن هذا الكيان الغاصب يكافأ على احتلاله وسيطرته على شعب آخر وممارسة التمييز ضده.
حكومة الكيان الإسرائيلي ترفض الاعتراف بالحقوق الوطنية والمشروعة للشعب الفلسطيني، وتقايض الفلسطينيين بتقديم التسهيلات مقابل الهدوء ضمن مخطط تجميد إسرائيل للقضية الفلسطينية سياسيا ومعنويا، والثمن الذي تقدمه حكومة الاحتلال وإدارة بايدن ودول أخرى، هو شراء الهدوء الفلسطيني، بزيادة عدد العمال وبمفاوضات اشتراطيه لتمويل السلطة وبتجديد المنحة القطرية، وبإعادة إعمار جزئية وبطيئة.
والغريب أن مفاتيح الصراع في المنطقة باتت تتحكم بها إسرائيل بغياب القوى العربية الفاعلة؛ إما بفعل التغييب القسري، أو انخراط البعض في مخطط التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. وأهم بند في المخطط، تغييب الوضع الفلسطيني وإحباط أي مسعى سياسي لعودة مسار المفاوضات ورؤيا حل الدولتين، على أن تتصدر القضايا الاقتصادية والمعيشية والأمنية المفهوم الجديد للقضية الفلسطينية؛ فإقصاء القضية الفلسطينية الاستفزازي من الأجندات الدولية والإقليمية، يحتاج إلى هجوم سياسي فلسطيني على مختلف الجبهات.
الإقصاء السافر للقضية الفلسطينية، وتبييض دولة الكيان الإسرائيلي من سياسته العنصرية "الأبارتهايد"، تستدعي إعادة النظر في كل شيء، بدءا بمراجعة السياسات والأولويات، والتوقف عند البنية الداخلية الفلسطينية ضمن مفهوم إعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس قويمة؛ لأن الحالة الفلسطينية صنعت أزمة ثقة وإحباط وحالة من اللامبالاة. لذا، فإن التصدي للإقصاء السياسي الإسرائيلي، لا ينفصل عن إعادة بناء الوضع الداخلي الفلسطيني، وكل خطوة جدية في إعادة البناء ستؤدي إلى تراجع إسرائيلي والعكس صحيح.