تُعدُّ الأهازيج أحد أبرز ما يُميّز شهر رمضان المبارك في اليمن، ويُردّدُها الأطفال خاصة قبل صلاة العصر أو بعد الفطور وتناول وجبة العشاء، ومنها ما تكون مُخصّصة في بداية الشهر ومنها لنهاية الشهر ومنها لطبيعة الأكل.
ويقول مجد علي الذي أقام في اليمن نحو 10 أعوام قبل عودته إلى قطاع غزة: إنّ هذه الأهازيج تُعدُّ تكريمًا لشهر رمضان واحتفالًا بقدومه يتواصل ترديدها حتى انقضاء الشهر الكريم، وتُضفي تلك الأهازيج بهجة على الأحياء والحواري التي يجوبها الأطفال وهم يرددونها.
ومن أشهر تلك الأهازيج التي لا يزال علي (60 عامًا) يذكرها: "يا رمضان يا بو الحمائم.. أدّي لأبي قرعة دراهـم، يا رمضان يا بو المدافع.. أدي لنا مخزن بضائـع".
ويُوضّح أنّ الكثير من الأهازيج تحمل عادة معانٍ تعبُّدية، وتشجيعية لعمل الخير والإحسان، واستغلال شهر رمضان في الأعمال الصالحة.
ويلفت إلى إحدى أهم المظاهر الرمضانية في اليمن، وهي "تماسي" الأطفال الذين يبدؤون بالتهيُّؤ لتأديتها بحماس في أواخر شهر شعبان، مُبيّنًا أن "التماسي" هي نشيد الطفولة إذ لا تؤديه إلّا مجاميع من الأطفال الذين يجتمعون حول بيوتهم في الأسبوع الأول يردّدون التماسي الخاصة بالأدعية لآبائهم.
من أجمل التماسي التي يذكرها علي: "رمضان روحي روحي.. رسول الله ممدوحي، رمضان شهر الطاعة.. مرحبًا بالسّفوحِ، رمضان شهر الإحسان.. صومه بالخير يوحي".
وعندما يشارف الأسبوع الأول على الانتهاء، ينطلق الأطفال صوب البيوت في الأحياء المجاورة لمنازلهم، بعد أن تبدأ إضاءة الليالي، ويستطيع الأطفال الحركة وأداء النشيد وليؤدوا التمسية بصوت مسموع، "يا مساء أسعد الله مساء.. يا مسا جيت أمسي عندكم، يا مسا جيت أمسِّ عندكم.. يا مسا والجمالة هي لكم".
ويلفت علي إلى عادة تنظيف الأحياء والمنازل وتزيينها، احتفاء بقدوم رمضان ويُراد منها ترجمة تعاليم الدين الإسلامي التي تحثُّ على ربط النظافة بالإيمان، "وهي عادة قديمة يُمارسها سكان صنعاء وبقية المدن".
احتفاليات الختايم
ويقول علي إنّ طقوس الابتهاج الرمضاني تتجلّى في محافظة حضرموت باحتفائية متنوعة يوميّة تشهدها ساحات ومساجد المدينة تسمى بـ"الختايم" يقيمها الأهالي في الجوامع عقب إتمامهم القراءة الجماعية للقرآن.
و"الختايم" في التقليد الشعبي الحضرمي، هي مناسبة يقيمها أهالي كل حي على حدة تعبيرًا عن فرحتهم بختمهم قراءة القرآن بشكلٍ جماعيٍّ تتضمن عادات متنوعة، دينية وتراثية وشعبية، توارثتها الأجيال المتعاقبة أبًّا عن جد يُشكّل الأطفال جوهر طقوسها.
واتخذت "الختايم" تسميتها من اجتماع عدد من كبار السن في مسجد المنطقة وقراءة القرآن جمعيًّا بدءًا من سورة الضحى حتى ختم المصحف.
ولا تقتصر "الختايم" على مسجد أو قرية معينة في حضرموت، فالعادة قضت أن ينشر إتمام قراءة القرآن البهجة في كل قرية ومسجد كتقليد ثابت وينتظره الأطفال بكلّ شغف في استبشار بما تجود به عطايا هذه المناسبة السنوية من أيادي الأهالي من الهدايا والألعاب والحلويات.
وتبدأ طقوس "الختايم" عصر ليلة ختم القرآن بالتجمع أمام مسجد المنطقة وترديد بعض الأغاني والرقصات الشعبية المستمدة من الموروث الحضرمي القديم مثل لعبة الشبواني إضافة لتخضيب البنات بالحناء وعرض فقرات تمثيلية تُجسّد المهن المتوارثة كحمل الأطفال على قوارب الصيد تفاخرًا بمهنة صيد الأسماك.
وتعجُّ الأروقة والساحات المحيطة بالمساجد بمشاهد الآباء برفقة أبنائهم وهم يرتدون ملابس جديدة وأخرى مستوحاة من الزي التقليدي الحضرمي، ويشترون الألعاب والحلويات والمكسرات من بسطات الباعة.
وعقب صلاة التراويح التي تمتد إلى 23 ركعة في ليلة الاحتفاء فقط، تشهد الساحات التي تتقدم المساجد، إنشاء مسرح خشبي تقدم خلاله فقرات إنشادية ومسرحية وشعرية يشارك فيها أبناء هذه المنطقة وتمتد إلى قبيل منتصف الليل فرحًا بختم قراءة المصحف.
يجوب عشرات الأطفال الأزقّة، مُردّدين أهازيج شعبية تحث ساكني البيوت لحثّهم على إعطائهم هدية المناسبة، "هاتوا الختامة الجديدة وإلا كسرنا حديدة" وغيرها، ليبادلهم الأهالي بهجتهم بتوزيع الهدايا.