تزخر المائدة التونسية بالعديد من الأطباق والمشروبات التي تمثل جزءًا أصيلا من طقوس الاحتفال بشهر رمضان الكريم.
وبينما تقف حلوى "وذنين القاضي" على رأس الحلويات وهي في معظمها عبارة عن عجينة مقلية محلاة بالقطر، والفرق في الشكل ووصفة العجينة، لا يغيب مشروب "اللاقمي" عن مائدة الجنوب التونسي.
وتقول الشابة التونسية ميس غلوفي: إن حلوى و"دنين القاضي" تزدهر في شهر رمضان، حيث تشهد إقبالا من التونسيين بخلاف أيام السنة، فهي عبارة عن عجينة ملفوفة ذات لون ذهبية، يضاف إليها حبات السمسم، وتغمس بالقطر.
ويعود تاريخ هذه الحلوى لزمن الحكم الإسلامي للأندلس، وقد أدخلها الأندلسيون الذين هاجروا إلى تونس بعد قرار طردهم عام 1609م.
ويطلق على حلوى "وذنين القاضي" العديد من المسميات مثل: الدبلة، وعِمَّة القاضي، وفى مصر يختلف شكلها وطريقتها وتشتهر باسم "لقمة القاضي".
وتبين غلوفي لـ"فلسطين" أن حلوى ودنين القاضي يتم إعدادها بخلط الدقيق والبيض والزيت وماء زهرة البرتقال والسكر والملح، فيما يتم لف العجين الناتج بعد تقطيعه إلى شرائح حول شوكة قبل أن يتم غمسها في الزيت الساخن، وبعد تصفيتها تغلف بالعسل أو القطر أو ترش بمسحوق السكر، وتستخدم بذور السمسم أحيانًا كزينة.
وتلفت إلى أن تسمية الحلوى بهذا الاسم، جاءت بسبب تشكيل العجينة قبل القلي لتأخذ شكل أذن كبيرة، حيث إنه على أذني القاضي أن تكونا كبيرتين ليسمع كل ما يُعرض عليه من قضايا.
وتذكر غلوفي أن ثمة رواية أخرى تسميها بـ"عِمَّة القاضي" لأنها كانت تقدم لأصحاب المقامات في المناسبات والمجالس، كما يطلق عليها اسم "دبلة" إذا تم تشكيلها بحجم صغير لتبدو مثل الخاتم.
وتشير إلى أن حلوى "ودنين القاضي" يشتهر بها أهالي مدينة سوسة الساحلية شرقي تونس، ويقبل عليها التونسيون من جميع المدن، وعادة يتناولونها بعد صلاة التراويح أو الشاي.
ويحكى أن القاضي أبو الوليد الوقشي حضر يومًا مجلس ابن ذي النون الذي قدّم للحضور حلوى آذان القاضي، فتهافت جماعة من خواصه وتندروا على القاضي وهم يأكلونها، وكان ابن ذي النون قد قدم لهم معها نوعًا من الفاكهة يسمى "عيون البقر"، فقال ابن ذي النون للقاضي: "أرى أن هؤلاء يأكلون آذانك!"، فقال له: "وأنا أيضًا آكل عيونهم"، وكشف عن طبق الفاكهة وجعل يأكل منه.
أطباق وأشربة
ومن الأطباق الرئيسة التونسية الرمضانية، تذكر غلوفي أن الكسكسي التونسي باللحم العلوش (الخروف) يتربع على العرش وكذلك الكمونية بالكبدة، والسلطة المشوية، وسلطة "أمك حورية"، وبريك، وطاجين، وشباتي، عجبة بالمرڨاز، كفتاجي، اللبلابي، فريكاسي.
ومن أبرز المشروبات التقليدية التونسية التي تحرص ربة البيت على صناعتها، وتباع أيضًا في المحلات التجارية، فتشمل: البوزة، وهو شراب يعد انطلاقا من الفستق، البسيسة الذي يعد من طحين القمح أو الشعير، والشاي بالبندق، واللاقمي الذي لا يغيب عن السفرة الرمضانية التونسية.
ويميل لون "اللاقمي" إلى الأصفر، ومذاقه كالتمر المحلى بالسكر، تستحضر وأنت تشربه للمرة الأولى، أذواق ما عرفت من العصائر، فتجد نكهته لا تحيل إلا عليه، يستخرج من جذوع أشجار النخيل في واحات جنوب تونس.
وتشير غلوفي إلى أن هذا الشراب لا يغيب عن موائد إفطار سكان الواحات لحلاوة طعمه وقدرته العجيبة على إطفاء ظمأ الصائمين في شهر رمضان الكريم، ولفوائده الصحية العديدة أيضًا.
قتل النخلة لإنتاج اللاقمي
ولإعداد اللاقمي يعمد "اللاقمة" (من يبيع اللاقمي) قبل حلول شهر رمضان الكريم بأربعة أيام أو خمسة إلى اختيار إحدى أشجار النخيل التي لم يعد في حاجة لها، وتكون عادة من أشجار النخيل التي لا يبيع تمرها، ليستخرج منها شراب اللاقمي وهي عملية تعرف في منطقة الجنوب بـ"قتل النخلة"، كما يرد على موقع "نون بوست".
وتقع عملية تحضير النخلة عبر قص أغلب جريدها لكشف الجزء الأوسط منها أو ما يعرف بـ"قلب النخلة" ثم قص هذا القلب بطريقة أفقية بواسطة آلة معروفة باسم "الحجامة"، وهي آلة شبيهة بالمنجل، ومن ثم القيام بتثبيت قطعة قصيرة من القصب، تقسم على اثنين ولا يزيد طولها على 30 سنتيمترًا بالقلب، على أن تكون بمثابة الساقية التي تمثل المكان الذي سينسكب منه المشروب الذي يتم جمعه في أوانٍ بلاستيكية أو فخارية تعلق بأعلى النخلة ثم يصفى محتواها ويحفظ في الثلاجات ليحافظ على برودته ومذاقه السكري الحلو.
ويحرص "اللقامة" على حماية المدخل الذي ينساب منه "اللاقمي"، بقليل من ألياف أشجار النخيل أو بقطعة قماشية حتى لا تدخل الحشرات إليه، مع الحرص على تبليله بالمياه في كل عملية "حجم" (أي قص) "للجمار" والتي تتكرر عادة مرتين في اليوم، وذلك حتى يحافظ المشروب على درجة من البرودة وعلى طعمه الذي يتأثر بدرجات الحرارة المرتفعة عادة، ويبلغ معدّل إنتاج النخلة طيلة فترة استغلالها، 10 لترات يوميًا، وقد يصل إلى 15 لترًا بحسب حجم النخلة ونوعيتها.