فلسطين أون لاين

تقرير الزهارنة.. تجارب فاشلة في المطبخ قادته ليكون مُحكِّمًا بمسابقة دولية

...
الشيف الزهارنة (أرشيف)
غزة/ هدى الدلو:

لعل وجوده في جو عائلي يحمل جينيًا النفس الطيب في إعداد الطعام مهَّد له الطريق ليكون شيفًا، كما يقول، فقبل 10 سنوات كانت البداية عندما خاض تجربة العمل في مجال السياحة بمهنة ويتر (جرسون)، ليعكف شقيقه الأكبر بمشاركة أشقائه الأربعة الطهاة على تغيير مساره من العمل في مجال الضيافة إلى الطهي، ويتوج هذا المسار باختياره محكمًا بمسابقة الطهاة الدولية.

الشيف محمود غازي الزهارنة (38 عامًا)، فلسطيني من سكان المحافظة الوسطى، عمل بعدد من مطاعم غزة في مهنة طاهٍ للأكلات الشرقية والغربية، وحصل على تكليف تدريب طهي شرقي وغربي بكلية مجتمع غزة للدراسات السياحية، ومدرب في أكاديمية "سمايل كتشن" لتعليم فنون الطهي، وعدد من المراكز التدريبية.

اعتاد أشقاؤه في عمر مبكر على اقتحام عالم المطبخ، وخوض تجارب الطهي، ويجتهدون في البحث عن وصفات الطعام عبر شبكة الإنترنت.

الشغف لا يكفي

يقول لصحيفة "فلسطين": "شغفي في الطهي ولد بفعل عمل أشقائي في الطهي، فكنت أنجذب نحو الروائح الزكية وطريقتهم في تقديم الطبق وتزيينه، وما عمق الأمر لدي عملي جرسون".

ويرى أن العمل في هذا المجال ليس سهلًا؛ لكونه يحتاج إلى معرفة كاملة بقائمة الطعام التي يقدمها المطعم، ومكوناته، عدا عما يحتاج إليه من خفة ولباقة في العمل والمظهر العام للشخص، "وبحكم مرافقتي للشيفات داخل المطابخ تعلمت منهم الكثير من التفاصيل التي تتعلق بمسك السكينة والتقطيع والتخزين وغيرها من الأمور".

اعتقد محمود أن الأمر سهل، ولكنه اكتشف أن هذا العمل يحتاج إلى بال طويل، فهناك الكثير من التفاصيل التي يجب تعلمها وإتقانها، ويضيف ضاحكًا: "عينك ما تشوف أول تجربة وطبخة تدربت عليها كانت عمل ستيك الدجاج بالمشروم، وكيفية طهيه وعمل صوص المشروم (الفطر)، فللأسف الستيك لم يكن ناضجًا من الداخل، كانت هذه تجربتي الأولى في الوقوف أمام النار والجريل، فلا أمتلك خلفية ومعرفة لكيفية استواء الطعام".

وما زاد الطين بلة أنه أصيب في أثناء تقطيعه لصدر الدجاج بجروح بسبب التوتر ومسك السكين بطريقة خطأ، "عدا عن وجودك بين شيف أو مدير متسلط أو ناس محبطين"، ليعكف على التدريب وخوض تجارب عديدة على مسك السكينة ومعرفة طرق تقطيع اللحوم والخضار، وعمل لفترة في المجال الخيري طاهيًا لجمعيات خيرية لتقديم الطعام للمتعففين.

رهبة العمل الأول

ويضيف محمود متحدثًا عن أول تجربة له: "لم تخلُ من الرهبة لكون العمل مرتبطًا بالسكينة والنار والغاز، وهذا التوتر كان مصحوبًا بالخوف من الفشل، ولكني تعلمت أن أول طريق للنجاح هو الفشل، والعبرة في الاستمرار لكي تصل، فعملت على التدريب والتطوير حتى هذا اليوم".

وعن سبب سعي شقيقه لتغيير مساره من مضيف إلى طاهٍ، مضى إلى القول: "الجميع يعلم أن مجال العمل في الضيافة جميل ورائع، ولكن العمر له دور كبير، حيث تتناسب هذه المهنة مع شباب العشرينيات، ولكن فيما بعد لا بد أن يسعى الشخص لتطوير نفسه ويكون ملمًا بكل أقسام المطعم والفندق".

ويشير محمود إلى أن وصفات الطعام في تطور دائم، ولا بد من مواكبة جديدها خاصة بعد الانفتاح على العشرات من الوصفات الغربية، ولا يتم ذلك بشكل فردي بل بالتشاور مع أشقائي وزملائي في المهنة، إلى جانب الاستعانة بالإنترنت وغيره.

ويتابع: "سعيت لإقامة علاقات مع طهاة من الخارج، فتعرف العديد منهم من جنسيات مختلفة ودفعني ذلك للتعرف إلى ثقافة الطعام لديهم واقتباس بعض الوصفات منهم والتطوير عليها، وبالتالي كل يوم يوجد ما هو جديد".

وهناك الكثير من الأكلات التي خاض محمود الزهارنة تجربة إعدادها عدة مرات حتى نجحت معه، خاصة التي تتعلق بالأكل الشرقي كالأرز بأنواعه، "لم أكن أعرف كيف يكون مفلفلًا، ومتى يكون ناضجًا 100%، وكمية الأرز بالنسبة للمرق والملح، فكنت أخطئ بتقديرها، وحتى شكل تقطيع الخضار والدجاج واللحوم".

من خلال عمله في المجال اكتشف أن تطبيق الوصفات الغربية أصعب من الشرقية، كونه يجمع عدة ثقافات ومطابخ العالم الأوروبي والآسيوي، فمجاله مفتوح جدًا.

التذوق لا يكفي

وحصل محمود على شهادات تقدير من عدة مراكز وأكاديميات تعليم الطهي بغزة، وتم اختياره ليكون ضمن لجنة المحكمين لمسابقة الطهاة الدولية، التي يفترض فيها أن يمتلك الشيف المحكم خبرة كافية في المجال لا تقتصر على التذوق كما يعتقد البعض، بل بطرق التقديم وتقدير الوصفة وتكلفتها وطريقة طهيها، والمدة الزمنية التي تحتاج إليها، ومراقبة الطاهي المتسابق لكيفية إعداده للوصفة وكيفية إدارته لمطبخه، واستخدم أدوات الطبخ وتقطيع الخضار واللحوم والشكل النهائي لطبق التقديم ونظافته.

وتنظم المسابقة سنويًا بدعوة جميع الطهاة والمحترفين والمتدربين من جميع دول العالم إلى أرض المعارض في القاهرة، مشيرًا إلى أنه وفي أثناء وجوده في القاهرة لعمل ما يخص مهنته خضع لمقابلة من اللجنة القائمة على المسابقة بشأن معايير التحكيم والخبرات ذات الصلة بالمطبخ بتفاصيله كافة.

ويلفت محمود إلى أن بعض المتسابقين من غزة لديهم رغبة للمشاركة في المسابقة بهدف التنافس وخوض التجربة، ولكن وضع غزة والظروف الاقتصادية قد تقف عائقًا أمامهم، فاتفق مع مسئولي المسابقة أن تكون رسوم المشاركة للفلسطينيين مجانية.

ويطمح محمود أن يصبح طاهيًا عالميًا، ويرفع اسم فلسطين بطبق تراثي يعبر عن وطنه وشعبه، "لدي إيمان بمهاراتي وقدراتي"، متمنيًا أن يتمكن جميع الطهاة في فلسطين المشاركة في كل المحافل الدولية، وعمل أكاديمية دولية للتدريب على الطهي الفلسطيني.