حديث الناس والوعّاظ عن التقوى يكثر بداية رمضان، وتذهب العقول إلى تطبيقات هذه القيمة العظيمة في ميادين الأخلاق والأحوال الشخصية والاجتماعية، وكيف يجتهد الفرد في تطبيقها في حياته. وقد تنزل بأشدّ العبارات بلاغة، ومن العبارات القادمة من الموروث الديني ومقولات علماء السلف على رؤوس عامّة الناس في حين من يتربّع على عرش القرار السياسي ويدير شؤون الأمة في منأى عن هذه القيمة، وبينما هؤلاء الذين يكرّسون التبعية وهم سبب كلّ تخلّف سياسي واقتصادي وتراجع حضاري سحيق لا يأتون على بال من يعظ الناس ويحثّهم على التقوى.
وهكذا نجد أنّ الحديث عن تقوى الله ونحن نصلّي التراويح أمر سهل وميسور.
أمّا تقوى الله عندما نحدّد موقفنا السياسي فإنه يحتاج إلى التجرّد من هوانا، ومن موروثنا الحزبي ورواسب نفوسنا المدفونة في أعماقنا، كيف نتقي الله في مواقفنا السياسية؟
تقوى الله عندما تكون مسؤولا كبيرا في مؤسسة وتأتيك الواسطات من كل صوب وحدب، تتدخل الأجهزة والفصائل والأقارب وأقرب الأصدقاء، كل يريد الوظيفة لمحسوب عليه وسّطه لمعرفته بقوّة التأثير فيك، عندما تنحاز إلى الأكفأ بنزاهة دونما تأثير من أحد عندئذ أنت من المتقين.
تقوى الله سهلة وأنت تنقّل خرزات المسبحة ولسانك يترنّم بالتسبيحات المحببة إلى قلبك، ولكن عندما تحسب زكاة مالك فتراها مبلغا كبيرا يصعب على قلبك التنازل عنه.
تقوى الله حيثما كنت في عالم الأفكار والمواقف السياسية والمشاعر والمال ووقت وظيفتك كيف تنفقه وكيف تنفع الناس به.
تقوى الله وأنت تحدّد أولويات أعمالك، فلا تذهب لما يميل إليه هواك وتترك ما يطلبه الواجب منك..
فحيثما كنت تكن التقوى حاضرة.
لكن في واقعنا للأسف نجدها متبخّرة مفقودة عندما نكون في أشّد الحاجة إليها .
ونجدها حاضرة في هوامش حياتنا، حاضرة بقوة في المواعظ التي تُلقى على عامة الناس، في حين عند أصحاب القرار لأغلبية الأمة العربية والإسلامية لا وجود للتقوى في عالمهم .
نجد تكريس التبعية للمستعمر الذي خرج من الباب، وأدخلوه من كل النوافذ، لا نجد السيادة والاستقلال الحقيقيَّيْن، لا سياسيًّا ولا اقتصاديًّا ولا فكريًّا ولا ثقافيًّا.
تقوى الله قيمة سلوكية شاملة حيث كان القرار والفعل وفي شتى الميادين، تماما كقيمة الديمقراطية في المجتمعات الديمقراطية، تجدها تطبيقا فعّالا عند الفرد وفي الأسرة والمؤسسة والمدرسة والدولة، التقوى قيمة لا تؤتي أكلها إلا إذا تمّ تفعيلها هكذا في كل الميادين، والأخطر ألّا تكون حاضرة عند من يديرون شؤون الناس ويتقلّدون المناصب العامّة، وما أسوأ هذه العبارة عندما يقولون لا أخلاق في السياسة ونحن بأشدّ الحاجة لأن نفعّل أخلاقنا وتقوانا في هذا الميدان المهم والخطير.
تبدأ تقوى الله من الإعجاب الذي تضعه على منشور سياسي على فيس بوك دعما وتأييدا أو مجاملة لمن يملك صنع القرار السياسي والإداري.
إذا أردنا مجتمع التقوى حقيقة فعلينا تفعيل تطبيق التقوى حيثما كُنّا، وحيث كان القرار وتحديد الوجهة والمصير.