تعددت الجبهات وترابطت الساحات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال وسط مؤشرات زائدة وإرهاصات واضحة أن الاحتلال يسير نحو الهاوية، وإن العمليات الفدائية الأخيرة في الداخل المحتل أثرت في المشهد الأمني وحملت أبعادًا أنطولوجية، فهنالك قلق شديد ورعب عميق يسود الجبهة الداخلية الصهيونية بفعل النجاحات التي حققتها العمليات الأخيرة على الأرض وهو ما يعدونه تغيرًا جوهريًّا خطيرًا في شكل العمليات الفدائية خاصة الفردية منها، والتي تصاعدت بعد معركة سيف القدس التي شكلت إلهامًا ودافعًا إضافيًا لوحدة الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده، ولا سيما في الداخل الفلسطيني المحتل، وهو ما خلق دافعية للشباب المقاوم واستمرار عملياته ضد الاحتلال العنصري في مدينة القدس والنقب وبئر السبع والضفة بأشكال جديدة، منها الدهس والطعن وإطلاق النار في مواقع تمثل خاصرة ضعيفة للأمن الصهيوني، كل ذلك وسط احتضان شعبي فلسطيني واسع.
وأمام هذه الأحداث يحاول الاحتلال صناعة نصر موهوم من خلال مزيد من الجرائم والاغتيالات التي يمارسها جيش الاحتلال ضد أهلنا، والتي كان آخرها اغتيال ثلاثة شهداء في مخيم جنين وحملات الاعتقالات في الضفة الغربية وما استدعاء مئات الجنود الجدد للخدمة إلا دليل جديد على الفشل الذي وصل إليه قادة الاحتلال، غير أن ذلك كله لن يزيد المقاومة الفلسطينية إلا قوة وعزمًا، وسيزيد شعبنا التفافًا حول خيار المقاومة الذي يمثل وحدة ثورية تؤكد وحدة مصير شعبنا الفلسطيني.
وبحسب المحلل الصهيوني عموس هرئيل، "لم تكن هناك معلومات استخباراتية مسبقة عن العمليات الأخيرة، وهناك ثغرة أمنية واستخباراتية واضحة"، أي أنه رغم الجهود الأمنية المستميتة من الأجهزة الأمنية الصهيونية وعملائها للتصدي العمليات الفدائية، فإنها حققت خسارة وفشلًا أمنيًّا واضحًا وفاضحًا لجهاز الشباك والأجهزة الأمنية الصهيونية رغم التنسيق الأمني والتعاون المخابراتي مع الأجهزة الأمنية في المنطقة وامتلاكهم عددًا كبيرًا من التقنيات التكنولوجية المتطورة التي تستخدمها دولة الاحتلال، إلا أنهم لن يستطيعوا إيقاف مقاوم يريد أن ينال الشهادة وهذا هو التحدي الكبير، وإن العمليات الفدائية لن تتوقف.
إن ما يحصل الآن في الداخل الفلسطيني هو أقرب إلى انتفاضة شعبية بامتداد وطني متصاعد في ظل استمرار الإجراءات الإجرامية من حكومة الاحتلال والمستوطنين ضد شعبنا الفلسطيني في الداخل المحتل واقتحام المسجد الأقصى واستمرار عمليات التهويد المستمرة للأراضي والسياسات العنصرية ضد الأرض والهوية الفلسطينية والتي كان آخرها إقرار الكنيست قانون المواطنة العنصري ونتيجة لكل هذه العوامل كان الموقف الفلسطيني المقاوم واضحًا أن أي اعتداء على الثوابت الفلسطينية سيكون عليه ردود فعل بكل الأدوات الثورية والنضالية المتاحة.
وفي ضوء ذلك شكلت العمليات الفدائية نصرًا فلسطينيًّا أظهر أن الأجهزة الأمنية الصهيونية تسير في دوامة من التيه وهو ما يعد نصرًا إضافيًّا للعقول المقاومة التي اشتعلت فيها روح الانتفاضة على المجرمين الصهاينة وهو ما يمثل تأكيدًا جديدًا لقوة وحيوية مختلف جبهات الجغرافيا الفلسطينية وساحات الوطن في مواجهة الاحتلال، ولذلك فالعمليات الفدائية لن تتوقف.
ولعل من المناسب أن نذكر ما قاله يوفال ديسكين الرئيس السابق لجهاز الشاباك الصهيوني أن هنالك سؤالًا وجوديًّا إستراتيجيًّا يجب أن يطرح، وهو: هل تتمتع (إسرائيل) بالتماسك الاجتماعي والقوة العسكرية والأمنية لتضمن وجودها؟، والوقائع على الأرض تجيبه بأن المقاومة الفلسطينية والعمليات الفدائية حطمت منظومة الردع الأمنية الصهيونية رغم هرولة المطبعين، وصنعت شروخًا عميقة وانكسارات كبيرة في الجبهة الداخلية الصهيونية، خاصةً بعد معركة سيف القدس، فلم يعد هنالك إجماع صهيوني على التمسك بهذا الكيان والبقاء فيه لدى كثير من التيارات التي باتت تحمل أفكارًا عدة عن قرب انهيار الكيان ونهاية وجوده، وهو ما أشار إليه رئيس الكنيست الصهيوني السابق أبراهام بورغ أن (إسرائيل) جيتو صهيوني يحمل بذور زواله، ولدينا يقين أن ما ينتظر الكيان هو نهاية سوداوية وصولًا لزواله عن أرضنا واستعادة حقوقنا المسلوبة كاملة.