فلسطين أون لاين

تقرير في يوم الأرض.. هكذا أسقط الفلسطينيون حواجز الجغرافيا التي نصبها الاحتلال

...
فلسطيني يحمل علم بلاده إحياءا لذكرى يوم الأرض (أرشيف)
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تصرخ غزة فتنتفض اللد، يستغيث الخان الأحمر فتشتعل مشاعل الثورة في قرية "بيتا" وبيت "دجن" ومسافر يطا وغيرها من مدن القدس المحتلة والضفة الغربية؛ تغضب قرى النقب غير المعترف بها فتخرج مسيرات داعمة في الجليل والمثلث وحيفا وباقي مدن فلسطين، هكذا يرسم الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده لوحةً مقاومة يتوحدون فيها، ويسقطون حواجز الجغرافيا التي نصبها الاحتلال لتجزئة وتقسيم الشعب الفلسطيني إلى قطاع غزة وضفة غربية وداخل محتل.

"نحن صامدون في بيوتنا رغم كل المضايقات والحصار" كلمات يؤكد من خلالها رئيس مجلس قروي الخان الأحمر عيد الجهالين على ثبات أهل التجمع، رغم كل محاولات الاحتلال هدم الخان بهدف عزل جنوب الضفة عن شمالها، فالخان يمنع التواصل الجغرافي بين تجمع عدد من المستوطنات الإسرائيلية.

حيث يقع ضمن الأراضي التي يستهدفها الاحتلال لتنفيذ مشروعه الاستيطاني المسمى (E1) بهدف الاستيلاء على 12 ألف دونم ممتدة من أراضي القدس الشرقية حتى البحر الميت، بهدف تفريغ المنطقة من أي تواجد فلسطيني كجزء من مشروع فصل جنوب الضفة عن وسطها وشمالها.

ولأجل ذلك لا زال الاحتلال يفرض حصارًا خانقًا على "الخان الأحمر" شرقي القدس المحتلة، ويضيق على سكانه البدو الذين هاجروا إلى الخان بعد النكبة، ويرفضون الهجرة الثانية ويتشبثون بأرضهم متحملين صعوبة الحياة وقسوة اجراءات الاحتلال، رغم قطع المياه، واغلاق الطرق، والتضييق على طلبة المدارس، مراقبة على مدار الوقت.

"هذا المشروع والمخطط يدرك الجهالين وأهالي الخان خطورته ويؤكد لصحيفة "فلسطين" أن الخان الأحمر والتجمعات البدوية الأخرى وعدد 26 تجمعًا يسكنها ثلاثة آلاف نسمة صامدة ومتشبثة بأرضها، وقال: "هذه أرضنا وأرض آباؤنا وأجدادنا ولن تكون هجرة ثانية إلى أي منطقة أخرى".

إضافة لافتقار الخان لخدمات المياه والكهرباء والطرق، يعاني الأهالي من هجوم قطعان المستوطنين، واعتداءاتهم على رعاة الماشية، وعلى طلبة المدارس، فضلا عن محاولة اقتحام القرية، ومنع سكان الخان من الحصول على تصاريح عمل بالداخل المحتل.

يصف الجهالين ما يجري بأنه "صراع يومي يمتد من ساعات الصباح حتى المساء"، مؤكدًا، أنه رغم ذلك سيبقى الخان شوكة في المد الاستيطاني، وسيحافظ على التواصل الجغرافي بين القدس ووسط وشمال الضفة.

الشيخ جراح

في 13 أبريل/نيسان الماضي تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من جراء اعتداءات وحشية ارتكبتها شرطة الاحتلال ومستوطنوها في مدينة القدس المحتلة، بخاصة في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، في محاولة لإخلاء 12 منزلًا فلسطينيًا وتسليمها لمستوطنين، وكانت شرارة لاندلاع معركة "سيف القدس" في مايو/ أيار الماضي بين المقاومة والاحتلال واستمرت لأحد عشر يومًا، وفرضت المقاومة معادلة جديدة بأن القدس المحتلة تحت حماية مقاومة غزة.

صالح ذياب مقدسي في الشيخ جراح، يصف لصحيفة "فلسطين" اعتداء الاحتلال على الحي بأنه "كان همجيًّا، ولقد شاهد العالم كيف اعتدَوا علينا، لكنّنا ورغم ذلك شعرنا بتراجعِ الاحتلال عندما هدّدت المقاومة، -وبكلّ صدقٍ عندما يشعر الإنسانُ أنّ خلفه سندٌ وظهرٌ مقاوم فإننا نُضحّي بأولادنا وأنفسنا لأجل فلسطين والأقصى- ورفعت معنوياتنا وأعطتنا أملًا جديدًا بأنه لن يضيع حقّنا".

في قرية "سرطة" غرب سلفيت، أصواتُ استغاثة تصل إلى مسامع عبد الرؤوف صلاح قبل أن يأخذ غفوة الساعة العاشرة صباحًا بداية الشهر الجاري: "الحقوا.. بقلعوا الزيتون!"، قفز من سريره داخل مغارة يعيش فيها إلى أرضه البالغ مساحتها مئة دوم ليجد الاحتلال قد اقتلع ستين شجرة زيتون عمرها أطول من عمر الاحتلال على أرض فلسطين.

بحجة مد خط مياه استطاع الاحتلال أكل نحو عشرين دونمٍ من أرضه، ورغم ذلك يضطر صلاح للعيش في مغارة داخل ارضه المحاطة بالعديد من المستوطنات؛ بسبب منع الاحتلال له من بناء منزله.

في مغارة قديمة يحتمي صلاح وأبناؤه الستة عشر من برد الشتاء، يعيش حياة أشبه بحياة بدائية فيطهون على الحطب ومواقد النار، على أن يترك أرضه يستفرد بها الاحتلال، فيحاول الاحتلال بشتى الطرق طرده لضم الأرض للمستوطنات المحاذية.

بكلماتٍ ممزوجة بعبارات الصمود والتحدي يؤكد صلاح عبر الهاتف لصحيفة "فلسطين" تجذره في أرضه قائلا: "اضطررت للعيش في المغارة لأن الاحتلال يقوم بهدم أي بيت أقوم ببنائه، ولن أترك أرضي فمن ليس له أرض ليس له سماء، والإنسان بلا أرضٍ ليس له حياة"، مشيرًا، إلى أنه يحاول بث الحياة في المغارة وجعلها صالحة للحياة "للبقاء في أرضه التي ورثها عن أجدادها".

صراع البقاء

يصف بشار القريوتي وهو أحد سكان قرية "قريوت" جنوب نابلس، ما تعيشه قريته والقرى الأخرى المجاورة لها: كدوما وجالود وقصرة واللبن الشرقية والساوية وترمسعيا والمغير بـ "صراع البقاء".

ولا يبعد منزل القريوتي سوى نحو مئة متر عن مجمع استيطاني كبير مكون من 14 بؤرة استيطانية تحاول منع التواصل الجغرافي بين هذه القرى، وكذلك تحاول منع التواصل بين القرى والمدن الفلسطينية الأخرى.

وبشتى الطرق يحاول الأهالي هنا حماية أراضيهم التي يسعى الاحتلال لمصادرتها بهدف توسيع البناء الاستيطاني عليها، يدخل القريوتي صحيفة "فلسطين" في قلب معاناة القرى وإجراءات السكان في الدفاع عنها "نحن نحاول حراسة أراضينا وزراعتها وتنفيذ مشاريع تشجع المزارعين على الصمود والبقاء فيها، والتصدي لأي اعتداء، فلدينا طرق انذار مبكر لأي حدث قد يرتكب من قبل قطعان المستوطنين".

في موسم جني الزيتون يتسابق الأهالي لجني ثمار زيتون أراضيهم، قبل أن يقوم المستوطنون بسرقة المحاصيل قبل صدور تصاريح الاحتلال للسماح للمزارعين بالتوجه لأراضيهم.

يصف ما يتعرضون له بأنها عملية ممنهجة من قبل حكومة الاحتلال التي تحاول السيطرة على الأرض، مضيفًا: "نحن نعيش بين جزيرة استطيانية كبيرة تحاول سلبنا كافة مناحي الحياة، لكننا نصارع من أجل البقاء ونتحدى كل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، رغم تعرضنا للقتل".

حبر على ورق

مدير مركز أبحاث الأراضي محمود الصيفي، يقول، إن الجغرافيا التي وضعها الاحتلال على مدار أربعة وسبعين عامًا لا زالت "جغرافيا على ورق" وأن الشعب الفلسطيني توحد بمشاعره ووطنيته توحد بالنقب والقدس وكل مدن الضفة الغربية.

وأضاف الصيفي لصحيفة "فلسطين" أنه ورغم هدم الاحتلال لنحو 500 قرية، وأسر آلاف الفلسطينيين ومصادرة الأراضي وقتل الأطفال والنساء وتشريد الفلسطينيين إلا أنهم لم ينسوا أرضهم، ولا زال الشعب الفلسطيني يقاوم لاستردادها واستعادتها، وعندما يحاول الاحتلال الاستفراد بمنطقة فلسطينية فإن الشعب الفلسطيني يهب للتضامن معها عبر اشكال مختلفة كما حدث مؤخرا في النقب.

تصدرت أحداث النقب الواجهة بالفترة الأخيرة بعد قيام الاحتلال بتحريش عدة قرى ما آثار ردود فعل أهالي النقب وحدوث هبة جماهيرية تفاعلت معها باقي المناطق، مؤخرًا شكلت في قطاع غزة هيئة وطنية مساندة للنقب والداخل الفلسطيني المحتل، وهي خطوة اعتبرها رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب عطية الأعسم دعمًا معنويًا يؤكد أن الشعب الفلسطيني واحد في جميع أماكن تواجده مهما فرقته السياج التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي بين المناطق كافة.

يقول الأعسم لصحيفة "فلسطين"، إن تشكيل الهيئة الوطنية لدعم وإسناد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، تعزز من وحدة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، وهو بحاجة ماسة لذلك.