فلسطين أون لاين

سلام عليك يوم تقاتل ويوم تستشهد ويوم تبعث حيًّا! هل تستدعون الاحتياط؟ سندع الزبانية!

كنت أتمنى عليك أيها البطل لو صورت لحظاتك الأخيرة لتبثها على صفحات الانحطاط الاجتماعي كي تمنحها بعض الرقي والحكمة وتمنحهم جرعة من الخوف الأزلي المقيم في ذاكرة الحواسيب، كنت أتمنى أن تري هذا العالم كيف يستشهد الفلسطيني وكيف يصنع أبناء فلسطين البطولة في زمان عزت فيه البطولة وضاعت فيه الرجولة، كنت أتمنى لو أن تفعل ذلك كي ترد على ضيوف يائير بالترحيب اللائق وتمنح بن غوريون في قبره المشهد الصحيح بدلا من الصورة المزيفة لخمسة من الموتى الأحياء يقرأون العهد عند قبره، كنت أتمنى عليك أن تصبح رمزا ومعلما ومنارة لكنك تفوقت علينا جميعا وصرت أكثر من كل ذلك وأصبحت شهيدا بلمحة البصر.

كنا نتمنى عليك أيها القديس أن تقول بعض الكلمات في وجه النفط والرمل وتلقي بعض الحسرات في قلوب المستسلمين لكنك آثرت الصمت واخترت سهول السماء ومنزلة الأنبياء وارتقيت فوق حطامنا جميعا ونجحت في الثانوية العامة للشهادة.

في كتابه الشهير (الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة) يذكر الصحافي البريطاني روبرت فيسك بأنه في اليوم التالي لضربات الحادي عشر من أيلول كتب مقالة بعنوان: لماذا؟ والمقالة لم قرأها او اطلع عليها وضع فيها الكاتب تساؤلات لما خلف الحدث وتساءل عن الدوافع التي أجبرت (من تم الادعاء عليهم) للقيام بمثل هذا العمل، وألمح إلى أن نتائج السياسات الأمريكية هي التي أفرزت هكذا نتيجة، في الوقت الذي كانت فيه كل خطابات الصحافة والإعلام الأمريكي وغير الأمريكي تضج بالسخط والمطالبة بالانتقام الفوري وتحميل الاتهام للآخرين، ونتيجة ذلك المقال تلقى روبرت مئات التهديدات والتنديدات لأنه غرد خارج السرب.

بنفس المنطق يمكن لنا نحن كعرب أن ننقل نفس تساؤل روبرت فيسك ونطبقه على العمليات الفدائية الفلسطينية كي نضع الحقيقة أمام العالم بأكمله بعيدا عن التحريف والتزوير، لماذا يفعل الفلسطيني ذلك ويضحي بنفسه؟ لماذا يتحول كل مواطن فلسطيني بسيط وعادي وغير منظم ولا تابع لأية جهة حزبية إلى مقاتل واستشهادي بين ليلة وضحاها؟

 لم تعد المسألة قضية تنظيمات عسكرية أو جماعات متطرفة او فئات محسوبة على طهران او داعشان أو بلاد الزفتان، اتركونا من هذه الأكاذيب لأنها لم تعد ذات مفعول ، إنها مسألة الحياة الفلسطينية التي تتحول إلى إذلال وجحيم على يد الاحتلال الذي طال عليه الأمد لأكثر من مائة سنة، إنها مسألة التغريبة الفلسطينية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا في الألم والتراجيديا والسمو والتضحية الإنسانية، إنها القضية الفلسطينية التي تمثل عقدة المنطقة بأكملها وسبب الجحيم لعالم العرب والشرق الأوسط عن بكرة أبيه، فليتفضل من يريدون معرفة الإجابة بالإقامة لبضعة أسابيع او شهور في غــزة مثلا أو الضفة الغربية أو حتى العيش في المناطق الخضراء، فليتفضلوا وليجربوا المعيشة المذلة والمهانة عند عبور الحواجز او طلب التصاريح أو تحمل قذارة و وساخة المستوطنين الشياطين، فليجربوا معنى العيش كمواطن من الدرجة السفلى الخامسة او العاشرة في ظل عقيدة بني اسرائيل، فليتفضلوا وليجربوا مرارة العيش عند هدم البيت الذي تسكنه وحصار المدينة والاستيلاء على أرضك وشجرها ومائها، فليجربوا الصلاة تحت حراسة جيش الدفاع الاسرائيلي والعيش في حياة لا أمل فيها ولا متنفس، فليجربوا السجون الصهيونية وأسر البنات والشباب والعجائز ومعنى الشتات والتغريب، فليجربوا أن يحكم عليك بخمسين سنة او مائة سنة أو الف سنة في الحبس، فليجربوا معنى ان تفقد كل أبنائك في لحظة تحت القصف أو قتل طفلك الصغير لأجل أحد الحاخامات أو قربانا لحملة انتخابات بين كوهين وابن يامين.

خلال أقل من أسبوعين شهدنا ثلاث عمليات فدائية بطولية داخل الأراضي الفلسطينية بدأت الأولى بالبطل محمد أبو القيعان في عملية بئر السبع والثانية في عملية الخضيرة وبطلاها أيمن وابراهيم إغبارية، والثالثة بالأمس والتي توجها البطل ضياء حمارشة بقتل خمسة من الصهاينة المعتدين.

حدوث العمليات الثلاث وبهذه المتتالية أعاد إلى الفور الكوابيس إلى الهرم الاسرائيلي بأكمله الذي استغرق بناؤه مائة عام من المؤامرات والحروب والسرقة والبطش والظلم ، والهرم الاسرائيلي يا سادة يشبه ما يعرف في البيولوجيا بالهرم الغذائي حيث تكون المنتجات في الأسفل ثم تتوضع فوقها المفترسات بالتدريج ويبلغ التطفل أشــده في القمــة، في الهرم الاسرائيلي يربض في القاع العملاء والخونة والمستعربون حيث يتزلزلون بمجرد حدوث أية عملية بطولية، ويربض فوقهم في الخوف طبقة من المنسقين الأمنيين والخونة (الأعلى) مكانة، ويربض فوق هؤلاء طبقات المؤسسات الأمنية الصهيونية العبرية والعربية، وفوق هؤلاء جميعا يربض شعب الله المختار ومن فوقهم يربض السياسيون والمخططون الكبار، وفي الكوة الأخيرة يتربع عدد لا يتعدى أصابع اليد من خنازير بشرية لا تعرف شيئا من الرحمة ولا الانسانية، لا شك أن ليلة الأمس كانت مدعاة للسهر والقلق لكل هذا الهرم الشديد القوة والكثيف القدرات والهش جدا بذات الوقت!

تقول الأنباء بأن جيش الاحتلال الصهيوني عزز فرقة الضفة الغربية بأربع كتائب إضافية بعد عملية ضياء ومدد ساعات الدوريات وأعلن الاستنفار الكامل واجتمعت أركان الحكومة وأصيب ضيوف الأمس بسواد الوجه وفأل السوء، هل تستدعون ناحال وعوز؟ سنستدعي ضياء آخر وابراهيم الذي وفى ومليون محمد! هل تريدون استدعاء المزيد من جحافل جيش الاحتلال المقدس؟ سوف نستدعي الشهداء ونستصرخ الضيف وننادي جند الله في كل الأرض.. هل تريدون ان تحميكم الاتفاقيات والمعاهدات وابناء القردة والخنازير وجيوش الشيطان؟ سوف نستدعي الزبانية!

ضيــاء يا أيها المتفرد في بطولتك في زمن الجبناء وأرباع الرجال وأشباه القرود لقد قضيت وحكمت على كل مؤامراتهم بالنقع في الماء الموحل والرجم بالعار.. يا ابن يعبد الحــرة لقد أعدت تجديد العهد لجيلك ولكل أبناء فلسطين المولودين من تحت يديك، يا أيها المحلق مع طيور الصباح إلى وجهها الباسم لقد صفعت حكام الذل والعار وأصحاب الناقة ومدن القار.