لو كنت إسرائيليًا لرحلت عن هذه الديار، التي تتوالد فيها المقاومة كما تتوالد النيران من تحت الجمر، وكنت اختصرت على نفسي وعائلتي المسافة، ورحلت عن هذه البلاد، التي لا ترتوي من الدماء، فالمسافة بين العيش في قلق ورعب وانتظار، وبين العيش في أمن وسلام واستقرار، لا تتعدى تذكرة طيران، والسفر إلى مكان آمن، بعيدًا عن هذه البلاد.
العيش على هذه الأرض للغرباء صار مستحيلًا، فقد دللت عشرات السنين أن لهذه الأرض أصحابها، وهم شعب ذو بأسٍ شديد، شعب عنيد، يرفض أن يموت أو يذوب، شعب يعشق الحياة بمقدار اقتحامه جدران الموت، له جذور يستحيل اقتلاعها من صخر الإرادة، وله أفق من الطموح لا ينحصر ببعض التسهيلات الحياتية، أو بعض فرص العمل، وهو قادر على مواصلة التحدي، ومواجهة أعاصير المتطرفين، دون كللٍ أو وهن.
لو كنت إسرائيليًا لكفرت بالصهيونية التي صبت العذاب على رأس كل من صدق الأكذوبة عن أرض العسل واللبن، فإذا بها -مع انعدام الأمن- أرض للدموع والقلق، أرضٌ لا تطرح إلا الأشواك على طريق الغزاة، وقد ضيقت فضاءها، حتى صار سجنًا من الخوف، يفضح أكذوبة الازدهار الاقتصادي الزائف، ويكشف عن عورة اللقاءات والزيارات والمؤتمرات التي لا تجلب أمنًا، لم يسكن القلوب، ولا تطرد قلقًا استوطن العقول، ليكتشف الإسرائيليون بعد عشرات السنين أن ما حسبوه حقلًا من الحنطة والذرة، هو حقل من الجمر والنار، فهذه الأرض لا تصادق الغرباء، فإن أعطتهم الأمن ليوم أو لشهر، فإنها تنقض عليهم بالموت والجراح في اليوم التالي، وهذا ما تشهد عليه الموجات المتلاحق من المقاومة الفلسطينية.
لو كنت إسرائيليًا لبحثت عن وسيلة نقل سريعة إلى خارج هذه البلاد، بعد أن صارت طاحونة، تهرس كل ما حلم به الإسرائيليون، فإلى متى يعيش الإسرائيلي في دوامة صراع لن ينتهي، وفي مواجهة شعب لا ينكسر، وعلى بقعة من الأرض ضاقت على سكانها الأصليين، ولم يبقَ للإسرائيليين فيها إلا مساحة مرفأ، يسمح لهم بركوب البحر على وجه السرعة، والاحتماء في دول الغرب؟ هناك يتوفر للإسرائيلي البيت الآمن، وهناك فرصة العمل في التجارة والصناعة، بعيدًا عن الخوف الذي يربض لمستقبلهم على كل ناصية.
في الدراسة الصادرة عن مركز تراث “بيغن”، شهر فبراير 2022، تبين أن 59% من اليهود في إسرائيل توجهوا، أوْ يفكرون بالتوجه إلى سفاراتٍ أجنبيّةٍ للاستفسار وتقديم طلبات للحصول على جنسياتٍ أجنبيّةٍ.
وأن 78% من العائلات اليهودية تشجع أبناءها الشباب على السفر إلى الخارج، وأن 60% من الإسرائيليين يفكرون بالهجرة.
تواصل عمليات المقاومة ستفرض على الإسرائيليين قراءة الواقع بعيون المستقبل، وعدم تصديق الأكاذيب عن قدرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وعن السلام الكاذب التي تحدثت عنه الاتفاقيات والزيارات واللقاءات والمؤتمرات، سواء كانت في شرم الشيخ أو النقب، فكل هذا الغثاء الإعلامي وقف عاجزًا أمام جيل فلسطيني جديد، عشق تراب وطنه.
ملحوظة 1: في عملية تل أبيب، قتل خمسة إسرائيليين، اثنان منهم فرّوا من الموت في حرب أوكرانيا، فلاقاهم الموت في تل أبيب!
قل إن الموت الذي تفرّون منه فإنه ملاقيكم!
ملحوظة 2: يودعنا شهر آذار مارس هذا العالم بالتعادل لأول مرة، فقد قتل 11 إسرائيليًا، وقضى 11 فلسطينيًا نحبهم.