في ظل الواقع السياسي الذي يعيشه النظام السياسي الفلسطيني، نتيجة الأزمات المتفاقمة على طبيعة التمثيل السياسي، وخلاف البرامج والرؤى السياسية والوطنية، فإن لفلسطين خصوصية عالية في طبيعة انتخاباتها وطبيعة استحقاقاتها نتيجة وجود الاحتلال الإسرائيلي، وطبيعة البرامج الانتخابية، والأسس التي تقدم على أساسها الناخب الفلسطيني، فالقرب من المواقف الوطنية يعد العلاقة الطردية للناخب الفلسطيني، حتى وإن كان الواقع الخدماتي ذات نظرة مختلفة لدى الجمهور، إلا أنه لحظة الانتخاب يرتفع الحس الوطني ويصوت الناخب لمن هو أقرب للوطن.
نناقش في هذه المقالة: استطلاعات الرأي المسحية حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية، والحظوظ الأعلى التي تعطيها تلك الانتخابات للسيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي (لحركة المقاومة الإسلامية_ حماس).
في 22 مارس من العام الحالي أجرى: "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" استطلاع رأي حول الانتخابات الفلسطينية، وهي تقوم بها كل فترة حيث وقفت على طبيعة الانتخابات في كل الاتجاهات رئاسية وتشريعية وبلديات وغيرها. نأخذ منها نسبة الرغبة بإجراء الانتخابات وحظوظ السيد إسماعيل هنية.
تقول نسبة من 72% أنها تريد إجراء انتخابات فلسطينية عامة تشريعية ورئاسية قريبًا في الأراضي الفلسطينية فيما تقول نسبة من 26% أنها لا ترغب بذلك. ترتفع نسبة المطالبة بإجراء الانتخابات إلى 75% في قطاع غزة وتهبط إلى 69% في الضفة الغربية. لكن أغلبية من 52% (57% في قطاع غزة و48% في الضفة الغربية) تقول بأنها لا تعتقد بأن انتخابات تشريعية أو انتخابات تشريعية ورئاسية ستُجرى فعلًا قريبًا.
لو جرت انتخابات رئاسية جديدة اليوم وترشح فيها اثنان فقط هما محمود عباس واسماعيل هنية؟
نسبة المشاركة ستبلغ 51% فقط، ومن بين المشاركين يحصل عباس على 38% من الأصوات ويحصل هنية على 54% (مقارنة مع 58% لهنية 35% لعباس قبل ثلاثة أشهر). في قطاع غزه، تبلغ نسبة التصويت لعباس 35% وهنية 62%، أما في الضفة فيحصل عباس على 41% وهنية على 47%. تقول النسبة الأكبر (31%) أن حماس هي الأكثر جدارة بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني اليوم فيما تقول نسبة من 29% فقط أن حركة فتح بقيادة الرئيس عباس هي أكثر جدارة بذلك. قبل ثلاثة أشهر قالت نسبة من 34% إن حماس هي الأكثر جدارة، وقالت نسبة من 23% أن "فتح بقيادة الرئيس عباس" هي الأكثر جدارة.
وهنا: فإن طبيعة هذه الاستطلاعات التي تتقارب بين فترة وأخرى وتتذبذب بمعدل 3% كل فترة على حسب أداء حركتي حماس وفتح في العمل الوطني، على سبيل المثال لو كان هناك استفتاء عقب معركة سيف القدس فإن نسبة حماس ستكون بازدياد مما يعبر عن التفاف الجمهور حول برنامج المقاومة، وفي المقابل فإن أي استفتاء عقب حدث أخر سلبي أو ايجابي من أي فصيل سيؤثر على طبيعة المؤشرات وإن كان بحد أدنى.
الأسباب وراء الحظوظ الأعلى في الاستفتاءات للسيد هنية في كل فترة ترجع للآتي:
الارتباط بجدارة حماس على قيادة المشروع الوطني، نتيجة التجارب التي لمسها الجمهور في أهدافها الوطنية ورؤيتها للمشروع الوطني الفلسطيني، لا سيما معركة سيف القدس التي شكلت مخزون استراتيجي إذ حملت عنوانًا وطنيًا (القدس)،
برنامج التنسيق الأمني ليس مقبولًا لدي الشعب الفلسطيني، ومع الأيام تزيد الفجوة بين الشعب والسلطة الفلسطينية الحاكمة وفق أجندة أوسلو.
الارتباط الأساسي بالقاعدة الحزبية الصلبة لحركة حماس وجمهورها، التي ستنتخب من ترشحه حماس، إلا أن السيد هنية يزيد من تحفيز أصوات الجماهير، وهذا ما شاهدناه بترأسه قائمة حماس الانتخابية عام 2006 (التغير والإصلاح)، الأمر الذي عمل فارق كبير في الأصوات .
طبيعة القاعدة الشعبية التي يتمتع بها السيد هنية والنظرة الوحدوية، طوال فترة وجوده في المناصب المختلفة فترة ما قبل انتخابات 2006، وعقب تشكيله الحكومة العاشرة والحادية عشر، وكذلك عقب تسليم الحكومة عام 2014م، وتوليه دفة قيادة حركة حماس منذ عام 2017م حتى الآن، كانت عامل مهم تجاه الانطباعات التي بناها الجمهور.
الكاريزما القيادية والسمات الشخصية التي ينظر لها الجمهور من خطاب مقاوم، وحضور بارز على المستوي المحلي والإقليمي، الرسمي والشعبي.
الخلاصة:
إن الانتخابات التي يرغب بها الشارع الفلسطيني، عبر عنها بصورة واضحة عقب انتخابات البلديات الأخيرة، التي حصلت بالضفة المحتلة، وعلى الرغم من عدم مشاركة حماس بشكل رسمي، إلا أن حظوظ حركة فتح فيها لم ترقى للمستوي المطلوب في ظل منافستها لقوائم مستقلة، نتيجة الإجراءات القسرية التي تمارسها السلطة في الضفة المحتلة، وكذلك طبيعة البرنامج السياسي لها القائم على التنسيق الأمني، أي كانت نتيجة هذه الانتخابات إلا أنها عبرت عن تعطش الجمهور الفلسطيني لصندوق الاقتراع واختيار الناخبين بحرية وديمقراطية قائمة على التعددية والمشاركة السياسية، وهو ما يتطلب ضغط شعبي ورسمي على تحقيق الانتخابات الشاملة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، وهذا القرار هو حق للشعب الفلسطيني ليس بيد فصيل بعينه.