يعد التنمُّر من الظواهر غير المرغوب فيها، إذ ينطوي على ممارسة سلوك عدواني وعنف من فرد أو مجموعة نحو أقرانهم، وينتشر غالبًا بين طلبة المدارس، ولكن ماذا لو كان التنمر بين الزوجين؟ وكيف سيكون شكل العلاقة بينهما؟ وهل يتسبب بفشل العلاقة الزوجية بصفة المتنمر عليه عرضة لمشكلات نفسية خطيرة؟ وكيف يمكن التعامل مع هذا السلوك لإنقاذ الحياة الزوجية؟
تتحدّث ميسون. س (27 عامًا) -اسم مستعار- بألم عن شكل حياتها الزوجية التي باتت لا تُطاق بفعل أسلوب زوجها في التعامل معها، وتنمُّره على شكل جسمها بعد الولادة، حتى تطاول عليها شيئًا فشيئًا وبات أسلوبًا حياتيًا في التعامل معها.
تقول: "لم أكن أعي في البداية أنه أسلوب تنمر، حتى باتت تظهر عليه علامات في انتهاجه لأسلوب التنمر وتوجيه اللوم والغضب الدائمين على أتفه الأشياء، إلى جانب تعمده تجاهلي وافتعال المشكلات يوميا".
وتصف حياتها الزوجية بأنها باتت لا تطاق، تسيطر عليها وعلى بيتها حالة من التوتر والقلق، تبدو حياتي كدوامة بفعل فقداني لأهم أعمدة العلاقة الزوجية وهي المودة والاحترام والأمان والثقة".
أما سعاد.ن فقد وصل الحال بينها وزوجها إلى الطلاق، إذ لم تطق حال العلاقة الذي وصلت إليه بينهما، خاصة أن تنمره لم يقف على شخصها بل وصل إلى عائلتها لسوء وضعهم الاقتصادي وهو ما لم تتحمله.
وتشير إلى أن تنمره بدأ فيما بينهما ومن ثم تطور ليمارسه أمام أبنائهما، ولاحقًا في أثناء اجتماعهم مع أهله وعائلته، لتتأذى منه نفسيًا فكانت النهاية الطلاق.
انعكاس للشخصية
ويوضح الاختصاصي الاجتماعي والنفسي د. إسماعيل أبو ركاب أن التنمر قديمًا مفهوم كان يقتصر على سلوكيات الأطفال، وخصوصًا داخل المدارس لما يحمله من نتائج سلبية سلوكية سيئة على البيئة التعليمية.
وفي الوقت الحالي أصبح المصطلح دارجا على كل حالات الاعتداء بكل أنواعه، وخصوصًا المعنوي، "لذلك التنمر يتم بين طرفين أو أكثر، ويكون المتنمر شاعرا بالقدر الواقع على الشخص من الإهانة وإيقاع الأذى النفسي، ولكن عندما ينتقل هذا المفهوم للعلاقات الأسرية فإن الطرف المتنمر في الغالب هو الرجل لما للثقافة والعادات السائدة من دور في ذلك"، تبعًا لأبو ركاب.
ويوضح أن قليلًا من النساء من تقوم بهذا الدور، لكون الأسباب الحقيقية ترجع لشخصية الطرف المتنمر الذي يشعر بالقوة والقدرة ولديه مستويات عالية من "الأنا"، والاستهانة بالطرف الآخر.
ويشير إلى أن الشخصية المتنمرة قد يكون منشؤها تربويًا وأحيانًا الثقافة السائدة، إلى جانب الكمية الهائلة من الضغوطات النفسية عند الشخص المتنمر يخفيها في اللاشعور وتظهر على شكل سلوكيات وأفكار وعواطف.
ويقول أبو ركاب: "من النادر أن يصدر التنمر من الزوجة ولكنه يمكن في حال ضعف شخصية الرجل أو تدني مستواه التعليمي، أو سوء وضعه المادي، والمستوى العائلي للزوجة أعلى وأفضل، أو سلوكيات خطأ له كأن يكون مدمنا، أو لديه سلوكيات سيئة".
وإذ يبين أن التنمر بين الزوجين قد ينتهي بطلاق الزوجين، ويعكس غالبًا تجاوز قدرة الزوجة على التحمل، "تضطر الكثير من الزوجات المتنمر عليهن لظروف وطبيعة الأسرة إلى تحمل أزواجهن المتنمرين من أجل أبنائهن أو خوفًا من وصفهن ببعض الأوصاف التي تنقص من حقهن".
"وفي حال اختارت الزوجة الطلاق وقد وجدت في نفسها القدرة على اتخاذ قرار الانفصال وليس لديها أي شيء تخسره فهي بالتأكيد ستميل نحو التحرر"، ويشير أبو ركاب إلى أن التنمر ليس قسوة جسدية كالعقاب بل هو أشد من ذلك؛ لأنه يؤثر في المنظومة المتكاملة للشخص ومفهومه عن ذاته، وعن صورة الهوية الشخصية لديه.
التعامل مع المتنمر زوجيًّا
ولكن كيف يجب التعامل معه؟ يجيب أبو ركاب: "طاقة الزوجة محدودة في القدرة على تحمل العبء النفسي للزوج المتنمر، وكثير من العوامل وخصوصا في بيئتنا العربية تضغط باتجاه أن تتحمل المرأة أكثر، ولكن لو وجد الرجل المتنمر رادعا سواء كان من العائلة أو من الزوجة نفسها من خلال التعديل في شخصيتها المسالمة فسيفكر الرجل المتنمر ألف مرة قبل ممارسة هذا السلوك".
ويوضح أن على المرأة الممارس عليها هذا السلوك استخدام كل الوسائل المتاحة من الإصرار على موقفها وإثبات حقها، ما سيجعل الرجل يفقد متعة النشوة والشعور بالقدرة على الأذى النفسي ما يدفعه للتراجع عن هذا السلوك.
ويختم أبو ركاب بضرورة أن تبنى العلاقة الزوجية على الرحمة والمودة والاحترام والتقدير بين الزوجين، واللجوء إلى مُصلح بين الطرفين أو اختصاصي في حال نشبت المشكلات بينهما، وانتهج الزوج أسلوب التنمر مع زوجته، والابتعاد عن خَلق الأعذار له، والحزم والوضوح في التعامل، مع عدم اللجوء إلى العدوانية".