فلسطين أون لاين

انتخا...بات

انتخى ثم بات.. لعلني بتقسيم الكلمة أختصر الوصف في المشهد العام بالضفة الغربية، هذا المشهد الذي يعمل لأجل تفكيك قوته ووضعها متناثرة متناقضة في يد واحدة تديره دون أن تدفع تلك اليد فاتورة التغييب للكل الفلسطيني؛ ويرقصون في عرس الأرملة.

سقف الترهيب الأمني والتخذيل والترغيب كلها وسائل تمارس في الضفة الغربية باستخدام معادلات العشائر والتنظيمات الشكلية وغيرها لتمكين الفكرة من التمرير لتصبغ الأجواء بالديمقراطية، تلك الممنوعة عن البرلمان والرئاسة والدوائر والمؤسسات ومنظمة التحرير الفلسطينية.

قبل فكرة المجالس البلدية كان هناك من ينتخي وانتخى وأنجز في الجمعيات الخيرية والنوادي والمراكز والخدمات والمستوصفات بهمة عالية ومصداقية كبيرة ومهنية واضحة دون أن يكون أي حاجز ورادع لهم لأنهم يتبنون القضية بعمق الوطن لا بشكل العلم.

وحينما جاءت قصة الانتخابات جنّ جنون الفاسدين والعابثين وباتوا بين تخوين وتشكيك محاولين تغيير رأي الشارع لتكون الانتخابات النزيهة الوحيدة في فلسطين عام ٢٠٠٦ وتمت مقاطعتها ومحاربتها والانقلاب على نتائجها.

ويبدو بصدور القرار الأمريكي صاحب المال السياسي للغلمان العرب بمنع انتخابات دون مقاسات الرباعية والمرتزقة أن تحدث في فلسطين.

بالفعل ورغم أكثر من سبع محاولات لإجراء الانتخابات بضغوط من بعض الدول؛ فجأة ترى هذا السحر المسمى المرسوم الرئاسي يطغى على كل المعايير ويشطب مشروع وحلم كل فلسطيني بمسوغات وهمية ساقها البعض على أنها أبجدياته اللفظية، حتى بات فقط المتاح ليصبغ المشهد في الضفة بالديمقراطية وتلتقط عدسات الكاميرات صندوق اقتراع للعالم واستهبال الشعب الفلسطيني فكانت فكرة المجالس المحلية.

وهنا تعددت الاجتهادات والنظريات والمحاولات ولكل رأي فيها إقناع وحجة، فبينما رأى البعض أنها شكلية يراد أن تصبغ تحركات الفاسدين بكلمة "المنتخب"؛ رأى آخرون أنها نافذة تغيير في ظل ظلام دامس يخيم على المشهد، في حين وجد آخرون أنها مبتورة الإنتاج ومقسمة الفعال، إذ إنه انتخى بعض الغيورين ثم بات في السجن أو في قيود مجلس بلدي يأخذ أوامره من أجهزة أمنية وبعض المتنفذين، فبات الفساد مغطى إما بوجود الاسم للمنتخب الأسير وهذا صبغة قوية على فساد باسم المجلس البلدي أو بوجود الاسم؛ ولكنه ضعيف يصمت على كل ما يرى وهمه أن لا يبات في السجن؛ وثالث لا يستطيع أن يمرر قرارا يلغي فسادا فيصبح شاهد زور ويزداد حرقة خاصة أن فكرة المحاسبة والمتابعة شبه معدومة إذا كان صوت العتلة أو البندقية أو مسدس الحرية حاضرا بالإضافة إلى الشخصيات بحجم الوطن وهي كثيرة.

انتخا…بات، نعم الانتخابات هي إفراز للكفاءة وفرصة للمهنية وإشارة للمحاسبة.. هذا بالمعايير التي مفترض أنها صنعت لها، غير أن التجربة أثبتت أنها مستخدمة من قبل شلة فاسدين يشعرون بارتياح لو تم التقاط صور لهم ببدلات وابتسامات وتصريحات تخفي هدف تسهيل الانتخابات والتضييق على شخصيات لها تأثير وقوائم ممكن أن تحدث التغيير، فالسجن أو الترهيب أو الترغيب أو … كلها تودي لنتيجة من أجلها أقروا شكلية انتخابات محلية تلغي الأهم وهي انتخابات الذي يراقب ويحاسب ويفرز المؤسسات وينفذ الإصلاحات.

وفي الزاوية المقابلة للمشهد تبرز ثلاث شرائح تلك الانتهازية أصلا في داخل تنظيماتها وتتودد للناخب بحجة أنه محسوب على لون معين وشريحة الذين يقدمون مصالحهم الشخصية على الوطنية لذلك تجدهم يصمتون طيلة وجودهم في المجلس البلدي عن فضائح وفساد بل ويمجدون الفاسدين بحجة أن المجلس منتخب؛ ويكون هذا الشخص من الذين يميعون المشهد.

وشريحة ثالثة هي التي تهمني هنا وتهمكم وهي الفئة التي قررت أن تحاول التغيير هم الأمناء الصادقون العاملون في خدمة الوطن قبل الانتخابات بل السجون تعرفهم والساحات والدرجات العلمية الرفيعة والتخصصات وإدارتهم المهنية لكل مجال قادوه من مؤسسات ووزارات ونقابات.

هؤلاء الذين تفرزهم التجربة لا يركبون موج اللون للوصول مع حافلة الفاسدين وصمتهم خنجر طيلة الدورات ولا ينطقون.

هؤلاء الذين يريدهم الشعب لا ليتم ترويضهم هناك في مكاتب الأمن أو بين الموتورين، يصنعون التغيير ولا ينصهرون بحجة الوحدة الوطنية فيصبحون أسفل سافلين.

الشعب يرى الانتخابات محطة تغيير فلا داعي أن يغرر بنا البعض بحجة أنه مقرب من لون التحرير ونيته التطوير ليكون في النهاية نقطة تمرير بارع في التبرير.

شريحة الغيورين الذين بالفعل ذهبوا لهذا المشهد رغم معرفتهم بصعوبته والقبضة الأمنية من حوله؛ هم سينجحون بالتصميم على التغيير لا التطويع ولديهم ثقة الشارع ومن عرفهم من قريب أو بعيد ومهما كان حالهم بات في السجن أو بات من المخنوقين يكفي أنه لم يكن جسرا للفاسدين.

مشهد الانتخابات في شكلها وصورتها وحجمها هو الذي يجب أن يدفع كل الألوان لوقف مهزلة المراسيم وحكم شلة العابثين، حينها ستكون الشرعية وصندوق الاقتراع طبيعة يحتاج إليها كل مواطن ليرسم ملامح مستقبله ومستقبل أطفاله الذين لم يسمعوا في بلادهم ولا في جوارهم كلمة "منتخب" مرتبطة بنائب أو رئيس.