غزة ليست دولة عظمى، ورجال المقاومة في غزة لا يمتلكون أسلحة فتاكة، ولا طائرات مقاتلة قادرة على تدمير المصانع والمواقع الإسرائيلية، ولا توجد في غزة دبابات مزودة بكاسحات الألغام، تستطيع اختراق الحواجز الإلكترونية، وتدمير الأسوار التي أقامها الجيش الإسرائيلي حول غزة، ومع كل هذا الضعف المادي، فإن أقوى جيوش الشرق الأوسط، يخشى مواجهة رجال غزة، ويحسب لغضبهم ألف حساب! فلماذا؟
لأن المقاومة الفلسطينية في غزة تمتلك من القوة الروحية ما يمكنها من اختراق حدود سايكس بيكو، والسريان في جسد الأمة العربية والإسلامية، والوصول إلى وجدان المجتمعات الإنسانية كافة، فالشعوب تعشق الشجاعة بالفطرة، وتؤيد من يمتلك روح التحدي، وتدعم صاحب الحق سراً وعلانية، ما دام امتشق سلاحه، ودافع عن حقه، لذلك صارت المقاومة في غزة نموذجاً للإرادة الإنسانية التي تأبى الظلم، وقد تجسد ذلك في المظاهرات الجماهيرية الحاشدة التي خرجت في عشرات المدن العربية والعالمية رفضاً للعدوان الإسرائيلي على غزة، ودعماً للشعب الفلسطيني الذي خاض معركة سيف القدس مايو 2021 بكل كبرياء، وهذا أولاً.
ثانياً: تدرك إسرائيل أن انفجار الأوضاع في غزة، سيرتد سلبياً على مسيرة التطبيع مع بعض الأنظمة العربية، فالتطبيع ملجأ إسرائيل الآمن، في ظل المتغيرات الاستراتيجية في المنطقة، وتنامي قوتين إقليميتين، تضيّقان على إسرائيل أطماعها التوسعية، وتسرّعان في التحولات السياسية لدى الشعوب؛ التي ترفض الوجود الإسرائيلي نفسه.
ثالثاً: أي حرب جديدة على غزة بمنزلة صاعق التفجير الذي سيلمّ شمل الفلسطينيين، ويبطل مخططات إسرائيلية تجاوز عمرها 70 سنة وأكثر من الفصل الجغرافي، فالحرب على غزة ستجمع الهموم الفلسطينية على مفارق الوجع نفسه؛ الذي يصيب مفاصل الضفة الغربية والقدس وفلسطينيي 48، وتشهد على ذلك معركة سيف القدس، حين انتفض 7 ملايين فلسطيني ضد الظلم والقهر والاحتلال، ليعيش المجتمع الإسرائيلي أحد عشر يوماً من الرعب الداخلي غير المعهود.
رابعاً: مع انعدام الأهداف العسكرية داخل قطاع غزة، فالقصف الإسرائيلي سيصب الموت على رأس المدنيين، ولهذا ثمن سياسي باهظ، تمثل بتقرير منظمة العفو الدولية؛ الذي وصف إسرائيل بنظام الفصل العنصري، وتقرير محكمة الجنايات الدولية؛ الذي عد جرائم إسرائيل بحق المدنيين في قطاع غزة، قد ترقى إلى جرائم حرب.
خامساً: قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود، فقد شطب شباب المقاومة مفردة الهزيمة من قاموس حياتهم، وباتوا يمتلكون من القوة ما يمكنهم من مفاجأة الإسرائيليين، واختراق حصونهم، وإثارة الرعب في قلوبهم، ولكن الأهم من القوة الميدانية، هي تلك الثقة التي استوطنت قلوب أهل فلسطين من قرب نهاية إسرائيل.
سادساً: الاعتراف الصريح لقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعدم قدرة مجتمعهم الداخلي على تحمل تكاليف الحرب، وعدم الجهوزية التامة لصد صواريخ المقاومة، التي صبت الرعب في قلب المدن الإسرائيلية، وفرضت على الملايين منهم منع التجول لأيام.
إن من يتابع نشاط المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ليدرك أن الرجال يعدون أنفسهم لمعركة فاصلة مع العدو، وأن ما جرى في معركة سيف القدس لم يكن إلا اختباراً للقدرات، فرجال المقاومة يراكمون قدراتهم العسكرية على مدار الساعة، يجهزون أنفاقهم ليل نهار، وتحلق طائراتهم المسيرة ـ التي صنعوها بأيديهم ـ في فضاء غزة، وتحت سمع وبصر سلاح الجو الإسرائيلي، ويجهزون رجال الغوص لمهمات عسكرية تحت الماء، وخلف منصات الغاز في عمق البحار، وكما فاجأت المقاومة أعداءها بالطلقة الأولى في معركة سيف القدس، فهي قادرة على مفاجأتهم مرة ثانية، وهذا ما أدركه قائد أركان الجيش الإسرائيلي، وهو يقول: لم يعد باستطاعة الجيش الإسرائيلي أن يتقدم بدباباته إلى داخل قطاع غزة.