على الرغم من انتماء الصوت اليهودي في الولايات المتحدة إلى المعسكر الديمقراطي تاريخيًّا وتصويته له في كل معركة انتخابية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي يتربع على عرشها أطول فترة لرئيس وزراء إسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا تجد حرجًا من إبداء الارتياح بفوز الرئيس الجديد المنتمي للحزب الجمهوري ترامب، للعدواة السابقة بينه وبين الرئيس السابق باراك أوباما.
نتنياهو وبعيد الإعلان عن فوز ترامب، ورغبة الأخير في صناعة مجد تاريخي لولايته، والتي من المتوقع أن ينكفئ فيها على المستوى الدولي، كرّر (نتنياهو) القول: إنّ "السلام مع الفلسطينيين يأتي من خلال السلام أولًا مع الدول العربية. وقال في خطاب، أمام مؤتمر صحيفة "جيروزاليم بوست": إنّ "(إسرائيل) ليست العقبة أمام السلام. الجميع يدركون ذلك والدول العربية تدرك ذلك أيضًا، لذلك سنقلب المعادلة؛ سنصل إلى الدول العربية، ومن هناك إلى الفلسطينيين".
نتنياهو أيضًا زعم أنّ "(إسرائيل) تمرّ في أوج تحوّل تاريخي من حيث مكانتها الدولية، فهناك تغيير اقتصادي عالمي وسريع، وهناك ثورة معلومات تكنولوجية، ونحن في قلب ذلك. هناك إمكانيات وفرص أمنية كثيرة، وهذا يغيّر أيضًا نظرة الأمم وطريقة تعاملها معنا، مع (إسرائيل)، وكذلك نظرتنا وتعاملنا معها".
يدعي نتنياهو أنّ هذه التغييرات، تجري بفعل عاملين هي مواجهة الإرهاب؛ حيث يساعد كيان الاحتلال، بحسب زعمه، في منع وقوع عمليات في مختلف أنحاء العالم، والتطور التكنولوجي إذ يستثمر العالم في شركات السايبر الإسرائيلية لأنه يعلم أننا مخزون وبنك من المعرفة والتجديدات التي من شأنها تحسين نوعية حياة البشر.
الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، كان قد أعلن خلال حوار صحفي مع أسرة تحرير صحيفة "نيويورك تايمز"، أنّه يطمح أن يكون الشخص الذي يتمكّن من إبرام اتفاق سلام بين كيان الاحتلال والفلسطينيين، وقال إن ذلك سيكون "إنجازًا عظيمًا"، مشيرًا إلى أنّ صهره "جاريد كوشنر" اليهودي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في ذلك.
بالمقابل يرى وزير الجيش، أفيغدور ليبرمان، أنّ كيان الاحتلال فشل في التوصّل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة بشأن الضفة الغربية، خلال عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، مقترحًا انتظار تشكّل إدارة الرئيس دونالد ترامب، والبحث مع إدارته بهذا الأمر، ومعتبرًا أنّه من المهم عدم إنتاج عناوين صحفية في هذا السياق، ومنح الإدارة الجديدة مهلة زمنية لبلورة توجه جديد في الشأن الفلسطيني ومصير الضفة الغربية، بحسب قوله.
الصحف الإسرائيلية، نشرت مؤخرًا أنّ وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، زعيم حزب "البيت اليهودي" المعارض نفتالي بينت، التقى خلال زيارته للولايات المتحدة بمستشارين لترامب. وبحسب ما أوردت الصحف، فإنّ بينت عرض على مستشاري ترامب، أن تتبنّى الإدارة الأمريكية "حلولًا بديلة لحلّ الدولتين"، والاتجاه نحو حلّ يقوم على حكم ذاتي فلسطيني موسّع، يبقي الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية. وعلى إثر ذلك، أصدر ديوان نتنياهو تعميمًا على وزراء الحكومة الإسرائيلية، بعدم إجراء أيّ اتصالات سياسية مع إدارة ترامب.
تحرص إدارة نتنياهو للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب على حصر كل الاتصالات الثنائية به ولااستئثار بها، كما يحرص على تحويل اهتمام ترمب رجل الأعمال الحريص على عقد الصفقات على إنجاز صفقة لم يسبقه إليها أحد من خلال الترويج لحلول جديدة تتجاوز ما تم التفاوض حوله خلال سنوات الإدارات الأمريكية السابقة واستهلاك المزيد من الوقت أو بالأحرى تضييعه، وإيهام ترامب أن بإمكانه التوصل إلى مثل هذا الاتفاق عبر تسهيل تواصل حكومة نتنياهو مع حكومات عربية أو بالأحرى إخراج بعضها إلى العلن، والقضاء على ما تبقى من اهتمام الحكومات العربية بقضية فلسطين في ظل انشغال معظم الدول العربية هذه الأيام بمشكلاتها وهمومها الداخلية.
تبدو الحكومة الإسرائيلية من أشد السعداء فرحًا بقدوم ترامب وانكفاء أجندته على المستوى الدولي لصالح الاهتمام بالمشكلات الداخلية الأمريكية، ما يعني مزيدًا من إطلاق يد كيان الاحتلال في مواجهة الشعب الفلسطيني وتصفية ما تبقى من حقوقه التي تخلى وتنازل عنها مسؤولو السلطة الفلسطينية عبر سنوات التفاوض العقيمة!