حينما تدخل بيته لا تجد مكانًا تقف فيه، فأينما تولي وجهك تجد مقتنيات تراثية فلسطينية يعود عمرها إلى 100 عام، جمعها عوني ظاهر منذ أن كان طفلًا، حتى تحول إلى بيته إلى متحف يعج بالمئات منها ما بين التعليم، والزراعة، وأدوات الإنارة، والطبخ، وحتى ألعاب الأطفال القديمة.
يجلسك ظاهر على صندوق خشبي بطول 3 أمتار سماه "التابوت الفرعوني" يستخدمه مقعدًا ومخزنًا في الوقت نفسه، إذ لم يعد يتسع البيت لمجموعته، يحتفظ في داخله بنحو 400 ألبوم صور ووثائق منذ الخلافة العثمانية.
ظاهر (61 عامًا) هو معلم كيمياء متقاعد، يعيش في قرية ياصيد شمال نابلس، يهوى جمع التراث بكل أشكاله، وبعد 30 عاما في سلك التعليم ما بين المختبرات، والمكتبات، والوسائل التعليمية، والحاسوب، قرر اللجوء إلى التقاعد المبكر للتفرغ تمامًا لجمع التراث كسادن له.
في عام 2014 أقام آخر معرض تراث تربوي، عرض فيه مقتنيات المدارس والتطورات التي طرأت عليها منذ 100 عام.
يمتلك نسخًا من المناهج الفلسطينية التي درست ما قبل عام 1926م حتى المنهاج الحالي منها، حتى توسع لامتلاك مناهج تدريس من الدول العربية.
وعن توثيق التراث عبر الكتابة والتصوير والرواية إلى جمع التراث المادي، يتحدث ظاهر عن ذلك لـ"فلسطين": "نشرت 800 موضوع و25 ألف صورة على موقع إيلاف، وفجأة أصيب الموقع بعطل وشطبت جميعها، إضافة إلى أنني صورت 100 شريط فيديو، وصوت تعليم للمدارس، وتوثيق لأحداث الانتفاضة الثانية، جميعها تلِفت بسبب عدم وجود أجهزة تشغلها".
ويفتخر ظاهر أن المقتنيات التي جمعها لا يمكن أن يجدها أي شخص لا في محرك البحث جوجل، ولا في أي مكان آخر، حيث بذل مالًا وجهدًا ووقتًا كبيرًا في جمعها.
ويتابع: "المشكلة أن بيتي تحول إلى مخزن وليس متحفًا، لدي 5 غرف ممتلئة عن بكرة أبيها بالمقتنيات التراثية، ولا أستطيع التجول فيه".
ويمتلك ظاهر 2000 كتاب نادر، وشهادات ميلاد، وشهادات مدرسية عثمانية، وجوازات سفر فلسطينية منذ عام 1946عام وبقيت سارية حتى بعد النكبة.
ويقول إن أي باحث يريد إجراء دراسة عن تطور التعليم الفلسطيني "سيجد لدي القوانين والشهادات والتقارير والوثائق التي تتعلق بالتعليم التربوي لمئة عام".
وتجد زاوية أخرى من البيت مخصصة لأدوات الإضاءة المستخدمة ما قبل وصول الكهرباء إلى فلسطين، منها سراج الزيت، والكاز أبو فتلة، والنواسة التي لها جرس وفتلة تتحرك لأعلى وأسفل وتطوراتها، والشمعدان، ولوكس الكاز، ولمبة السلك المتوهج والهالوجين.
سفر عبر الزمن
وفي متحف ظاهر تتعرف على الأدوات التي كانت تصنعها المرأة بعدما تحصد محصول القمح، وتحتفظ برزم القش وتصنع منها القبعة، والترويج، والجونة، والقرطل، وصواني القش التي يعرض 50 قطعة منها مختلفة الأشكال.
وكذلك الأدوات التي كانت النسوة يستخدمنها لإزالة العشب من بين القمح وهي: العشابة، وأدوات زراعية لشاعوب، والمزر، والفأس، والطورية، وكيف تطورت فيما بعد حتى أصبحت مكنًا وآلات حديثة.
ويحتفظ ظاهر بالمصاحف التي تتدرج من المكتوبة بخط اليد، حتى آخر الإصدارات منها، مبينًا أنه يجمعها من خلال زيارة المساجد وطلب المصاحف القديمة التي سيتم إتلافها ويختار الصالح منها.
وإذا أردت التعرف إلى أزياء النساء والرجال في كل قرية، ومدينة فلسطينية، ستتجول وأنت مكانك وتسافر عبر الزمن مع ظاهر حينما سيعرض لك كل الأثواب المطرزة قديمًا.
ولكي يصل شغفه إلى الأطفال العنصر الأساسي الذي يركز ظاهر عليه ليبقى محتفظا بتراث بلاده ولا ينساه مع التطور الحضاري المتسارع.
يحمل ظاهر حقيبته التي يعرفها كل طلبة مدارس الضفة الغربية، بها كنوز، من قصص، وحكايا، وأدوات قديمة تصل إلى 60 أداة، يحكي للطلبة قصتها.
المتحف المتنقل
ولأنه يريد أن يوسع دائرة معرفة الطلبة والناس بتراثهم، ولكي يسهل عليه نقل المقتنيات من بيته، عرض ظاهر على المؤسسات المحلية الكبيرة فكرة تبني مشروع متحف متنقل يجمع فيه الأدوات التراثية، ولكن جوابهم خذله "ليس من أهدافنا ولا رؤيتنا دعم هكذا مشروع لا الآن ولا حتى مستقبلًا".
ويلفت ظاهر إلى أن عددًا من الأشخاص والمؤسسات عرضوا عليه أخذ ما لديه من مقتنيات وعرضها في أماكن لن يكون لديه سلطة عليها، ولكنه رفض.
يسأله البعض عن مآل ما جمعه بعد موته واحتمالية تخلص أبنائه منها، فيجيبهم: "إذا ما استفدت منها في حياتي، فلتحرق بعد مماتي".
ويحلم ظاهر أن تكون له قرية تراثية تربوية، يدعو الأطفال إليها ليأكلوا أقراص السبانخ، والحميض، والزعتر، والمسخن، والمقلوبة، والبليلة، ويشربون السوس، والخروب، وعصير قمر الدين، والتمر، والرمان، ويلعبون السيجة، والمنقلة، والطميمة، ورن رن يا جرس، كما كان الأطفال يعيشون قبل 100 عام.