فلسطين أون لاين

معاناة فلسطين ونفاق المعايير المزدوجة

أقرّ الكنيست الإسرائيلي، في إطار ترسيخ نظام الأبارتهايد والتمييز العنصري الإسرائيلي، قانوناً لمنع شمل العائلات الفلسطينية، يمنع المواطنين الفلسطينيين المقيمين في القدس أو في أراضي 1948 من ضمّ أزواجهم أو زوجاتهم إلى مكان سكنهم، وبالتالي يحرم القانون آلاف الأزواج والزوجات الفلسطينيين وأبناءهم حق العيش المشترك ضمن عائلتهم الواحدة في مكان سكنهم. وإذا سكن زوج أو زوجة من المقيمين في القدس المحتلة مع عائلته المقيمة في الضفة الغربية، فسيفقد فوراً حق الإقامة في مدينة القدس، ويفقد معها تأمينه الصحي والاجتماعي وكل حقوق المواطنة.

الغرض من هذا القانون ممارسة التطهير العرقي التدريجي ضد الفلسطينيين، بوضعهم في ظروف قاسية، وربما مستحيلة، لإجبارهم على ترك القدس أو المدن الفلسطينية في الداخل أو فلسطين بكاملها. والهدف الثاني تكريس منظومة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين وتقنينها. ذلك كله يجري في حين تفتح فيه الأبواب على مصراعيها لكل يهودي يريد القدوم إلى فلسطين، بمن في ذلك اللاجئون اليهود من أوكرانيا الذين يمنحون حق المواطنة في مطار اللد فور وصولهم، ويمنحون حقّ الإقامة، ليس فقط في أراضي عام 1948، بل والانضمام إلى الاستيطان المخالف للقانون الدولي في أراضي القدس والضفة الغربية، المسلوبة بالقرصنة والقمع من أصحابها الفلسطينيين.

وارتكب جنود الاحتلال الإسرائيلي يوم الثلاثاء الماضي ثلاث جرائم قتل ضد ثلاثة شبان فلسطينيين في مخيمي بلاطة وقلنديا وفي النقب المحتل، نادر ريان وعلاء شحام وسند الهربد، وبذلك أصبح عدد الفلسطينيين الذين قتلوا منذ بداية العام الحالي (2022) برصاص الاحتلال 21، أصغرهم الطفل محمد رزق شحادة (14 عاماً)، وأكبرهم الشيخ سليمان الهذالين (80 عاماً). والشهيدان نادر وعلاء من أبناء عائلات اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّرهم الصهاينة الإسرائيليون بالتطهير العرقي وجرائم الحرب عام 1948. أما سند، فينتمي إلى واحدة من العائلات الفلسطينية الصامدة في النقب، التي تحاول حكومة (إسرائيل) تنفيذ جريمة تطهير عرقي جديدة بحقّها، لتمرّر مخطط الاستيطان الاستعماري اليهودي في أراضي النقب الفلسطينية.

ثلاثة استنتاجات رئيسة مما جرى:

أولاً: وحدة الاضطهاد، ووحدة النضال ضد الاضطهاد، بالنسبة إلى الفلسطينيين المقيمين في أراضي الداخل (1948)، والفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة عام 1967، والفلسطينيين المهجّرين قسراً عن وطنهم في الخارج، وهذا ما أكّدته التقارير الدولية عن طبيعة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي الذي فاق في بشاعته مثيله في جنوب إفريقيا.

ثانياً: عبثية المراهنة على حلول وسط مع الحركة الصهيونية، والفشل الماحق لنهج المفاوضات واتفاق أوسلو، والفشل الكامل للمراهنة على حلول لأجزاء من الشعب الفلسطيني من دون بقية أجزائه، بعد أن صار واضحاً أنه لا يمكن تحقيق الحرية والكرامة للشعب الفلسطيني دون إسقاط مجمل منظومة الأبارتهايد العنصرية في كل فلسطين التاريخية.

ثالثاً: المستوى الصادم للنفاق العالمي، والغربي بشكل خاص، في ما يتعلق بازدواجية المعايير عند التعامل مع القانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وحق تقرير المصير للشعوب، ورفض احتلال بلد بلداً آخر.

وقد التقيتُ شخصيات سياسية عالمية متفهمة، ولا أقول المناصرة بالضرورة، للقضية الفلسطينية ممن دافعوا سنوات عمّا سُمِّيا "عملية السلام" و"حلّ الدولتين"، فوجدتهم مصعوقين بالمقارنة بين ما يجري تجاه أوكرانيا، وما يجري تجاه فلسطين، وكلهم يرون في شعبَي أوكرانيا وروسيا ضحايا لصدام عالمي، كان من الممكن تجنّبه لو توافر الحد الأدنى من الحكمة واحترام حق الشعوب المتكافئ في الأمن والسلام، وفي الوقت نفسه، يشعرون بمدى فداحة الظلم الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني، حيث لم تُمارس عقوبةٌ واحدةٌ من آلة العقوبات العالمية الهائلة ضد حكام إسرائيل الذين يجمعون بين جرائم الاحتلال والاستيطان الاستعماري، والتطهير العرقي، وجرائم الحرب والاضطهاد والأبارتهايد والتمييز العنصري، بل لم تستخدم عقوبة المقاطعة على الأقل ضد المستعمرات العنصرية التي تخرق القانون الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 2334.

تثير هذه المقارنة، بالطبع، قلقاً عالمياً حول ما إذا كانت قد بقيت قيمة للمبادئ، أو القانون الدولي، أو لقرارات الأمم المتحدة، أم أن البشرية تنحدر عائدةً لمعايير القرن التاسع عشر، وكأن العالم صار غابةً متوحشة، لا مكان فيه للمبادئ، ولا اعتبار إلّا للمصالح القامعة والفجّة، ولا قيمة لكل ما أنتجته آلام حربين عالميتين من قواعد وقوانين واعتبارات بهدف المحافظة على الجنس البشري، وحاجته للسلام، والأمن المتكافئ والاطمئنان.

وتكرّرت ظاهرة المعايير المزدوجة التي عايشناها مرتين من قبل في أثناء حربي الخليج، الأولى والثانية، عندما وُعد الفلسطينيون بعد الأولى بتطبيق حقهم في إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية، ثم تبخر ذلك الوعد في دهاليز المماطلات الإسرائيلية والنفاق الدولي والدعم الأميركي المطلق لحكام إسرائيل، على الرغم من كل غيّهم، أو خلال غزو العراق الذي لم يكن له مبرّر، بل بُني على أكاذيب اكتُشف خداعها باعتراف من قاموا بها، حين لم يكلف أحدٌ نفسَه حتى بمجرّد تقديم وعد، ولو مخادعاً، للفلسطينيين. وإذا كان ذلك كله لن يُضعف تصميم الفلسطينيين على نيل حقوقهم وحريتهم الكاملة بالنضال من أجلها، فإنّه يزيل ما بقي من أوهام لدى بعض الواهمين، بالاعتماد على الآخرين. ويؤكّد الدرس التاريخي المكرّر أنّه "ما حكّ جلدَك مثل ظفرك"، ولا خلاص للشعوب إلا بنضالها، ووحدتها، وكفاحها من أجل حقوقها... هل يساعد ذلك القوى الفلسطينية المتصارعة على إدراك أهمية إنهاء الانقسامات، وتنحية الخلافات، وتوحيد صفوفها، كما فعلت كلّ الشعوب التي نالت حريتها؟

المصدر / العربي الجديد