النقاش العلني في الأوساط الإسرائيلية عن شراء جزر يونانية في البحر المتوسط، خالية من السكان، يمكن إجلاء الإسرائيليين إليها عند وقوع الحرب، أو عند حدوث كوارث طبيعية، هذا الحديث ليس غريباً، فهو يراود خيال الإسرائيليين الطامعين في التمدد الجغرافي على مساحات أرض أوسع من فلسطين، التي ضاقت بمساحتها الجغرافية على قدراتهم الاقتصادية، ونفوذهم الدولي، وأطماعهم العقائدية.
فكرة شراء الجزر اليونانية طرحت بشكل فعلي على مجلس إدارة "الصندوق القومي اليهودي” الذي يستولي على أراضٍ فلسطينية في القدس والداخل والضفة الغربية، وقد رفض الصندوق الفكرة بالأغلبية، لعدم الصلاحية، ويدعي الصندوق أن شراء أرض أو استئجارها خارج حدود فلسطين، ليسا من أهداف الصندوق، وليسا من صلب عمله، حيث تم تأسيس الصندوق قبل عشرات السنين، بهدف الاستيلاء على أرض فلسطين.
طرح فكرة استئجار جزر في اليونان على "الصندوق القومي اليهودي" قد يكون جس نبض لردة فعل دول المنطقة، ورفض الصندوق للفكرة لا يعني موتها، إنها فكرة تداعب خيال الكثير من الساسة الإسرائيليين، وتتوافق مع أطماعهم، وستجد الفكرة من يتبناها قريباً، وقد جاءتهم الفرصة مع تصاعد الحرب في أوكرانيا، وجاءتهم الفرصة مع تصاعد التهديد لأمن إسرائيل، وإمكانية تعرضها لهجوم بالصواريخ من غزة ولبنان والعراق، كما يقولون، وجاءتهم الفرصة من خلال العلاقة الوثيقة مع اليونان في هذه المرحلة، وكل ذلك يمثل حافزاً لتوسع الإسرائيليين على مساحات إضافية من الكرة الأرضية، بحجه توفير ملجأ آمن لليهود.
استئجار 40 جزيرة يونانية خالية من السكان لا يشكل عبئاً مالياً على الخزينة الإسرائيلية، فهم يمتلكون من الأموال ما مكنهم من استئجار عشرات الحكام والأحزاب والقوى السياسية والإعلامية على مستوى العالم، وهم يمتلكون الحجج القادرة على إقناع الحكام بحاجتهم إلى هذه الجزر الخالية، بحجة الأمن، وبحجة تطوير المكان وإعماره، وبحجة تعزيز الترابط والتقارب بين دولتهم ودول الغرب.
الإسرائيليون بحاجة إلى احتلال الجزر اليونانية بشكل ذكي، وتحت بند الاستئجار، ليقيم الإسرائيليون في تلك الجزر قواعد عسكرية لمنصات إطلاق الصواريخ بعيدة المدى، ولإنتاج القنابل المحرمة دولياً، وفي الوقت نفسه، قد يستغلون المكان للسياحة والاستثمار، وللتغطية على منشآتهم العسكرية، التي تعد الضامن الأمني لمستقبل دولة تقوم على التآمر والغزو.
إضافة إلى الأطماع الإسرائيلية والرغبة في التوسع، فلا أستبعد فكرة الخوف من المستقبل التي تراود قيادة إسرائيل، فتواجد ملايين اليهود في شريط ضيق على أرض فلسطين، يشكل خطراً استراتيجياً، سيدفع قادتهم إلى التفكير في إعادة الانتشار، وعدم حشر الملايين في مكان يسهل فيه تصفيتهم، وقد فتحت الحرب في أوكرانيا أعين الإسرائيليون إلى وحشية الحرب القادمة، وشموليتها لكل بقعة من أرض فلسطين المحتلة، مع إمكانية تطورها إلى ما هو أبعد من الأسلحة التقليدية، وهذا محفز منطقي للبحث عن أماكن آمنة من أسلحة غير تقليدية.
شراء الإسرائيليين لجزر يونانية شأن لا يخص الإسرائيليون وحدهم، إنه شأن يخص العرب والمسلمين كافة، ويشكل خطراً استراتيجياً على أمن المنطقة بأسرها، فالتمدد الإسرائيلي إلى جزر اليونان، يعني إضافة قواعد عسكرية جديدة، ويوسع مجال المناورات الإسرائيلية، ويعطي للجيش الإسرائيلي المزيد من القوة، وهذا ما يحتم على دول المنطقة كلها، ألا تتجاهل الفكرة، وأن تتحوط لها، وأن تحاربها مبكراً، وإلا أصبح البحر المتوسط بحيرة إسرائيلية، وأصبح سماء الشرق أفقاً لدولة الصهاينة.