فلسطين أون لاين

سياحة العشق والحرية.. نفحة مول

هناك هذه الأيام من تحلو له السياحة والسفر، وقد كثرت السياحة الفلسطينية إلى تركيا (مثلًا) حيث جمال الطبيعة الخلابة للقلوب والعقول وعبق التاريخ الذي يشمُّه القلب، ونسيم البحر العليل الذي يشفي علل الصدور وحيث الأسواق العامرة بما لذّ وطاب من شراب وطعام ولباس.

سياحة والدة الأسير نضال زلوم المسنّة الثمانينية إلى سجن نفحة حيث عمق الصحراء القاحلة البائسة الجرداء التي تظهر تجلياتها ببردها القارس الخارق للعظام خاصة في هذا الشهر الذي كثّف البرد حضوره بطريقة غير مسبوقة.

قرّرت أن تخوض المغامرة رغم المخاطر الصحية الجسيمة، مريضة القلب والضغط والسكري وأشياء أخرى، قلبها يرتجف ولا يلوح في سمائه سوى ولدها نضال، نضال المحكوم عدة مؤبدات والذي تجاوز الثلاثة عقود في حبسته لا يريد لأمه وهي بهذه الحالة أن تزوره وهو في ذات الوقت يحلم أن يكحّل عينيه برؤية حبيبة القلب ومأوى الروح الحنون الودود الرؤوم.

وفي الطريق الكثير من الآلام والأشواك، لا يكتفي الاحتلال بالسفر الشاق حيث تبعد نفحة عن رام الله 190 كم فيجعلونها أضعافًا مضاعفة حيث الحواجز اللعينة والتفتيشات التي لا هدف من ورائها سوى سادية العذاب، وعند الوصول فإن المسافة بين بوابة السجن وغرفة الزيارة أيضا تحفّها حواجز وتفتيشات مهينة ومذلّة. وفي أثناء الزيارة السريعة القصيرة التي تمر مرّ السحاب يرى الزائر فوق رأس من يزور الشرطي المتربص الحاقد الذي يلتقط كلّ كلمة تقال وتجد من خلفك أيضا مثله. 

تبدّدت آلام رحلة العذاب عندما أشرق وجه نضال، رأت فيه ما لا يرى سائح تركيا، جمال الطبيعة كله رأته مشعشعا نابضا مظهرا لأفضل تجلّياته من ثنايا ابتسامة جميلة من ولدها نضال، تبعثر التعب وتألّقت العيون وهي تملأ حدقاتها بهذه المشهدية الحيّة وهذه الإطلالة لكلّ جماليات الحياة في وجه نضال.

وبدل الأسواق العامرة للسائحين إلى تركيا وجدت حجتنا المباركة كل ما لذّ وطاب في كلمات الروح والعشق التي خرجت من قلبه فوجدت لها مسكنا دائما في قلبها، باح لها فيما وصل إليه في اعتكافه المديد من معانٍ إيمانية رفيعة عالية، تعانقت الروحان فوصل قلبه بقلبها لينبئها بما وصل إليه، طافوا شواطئ بحار العشق الإلهي واصطادوا من زرقته النقاء والصفاء وكلّ جماليات الروح، التقى القلبان عند مجمع البحرين ليزدانا جمالًا وروعة وسموًّا لا ينبغي لأحد سواهما في هذا الزمان الماديّ الصعب، هنا تلتقي الأرواح وهنا سياحة لا مثيل لها لا في تركيا ولا إستنبول ولا غيرها:

سياحة المحبّ في عوالم أمه الحبيبة وسياحة الأم المحبّة في عوالم ابنها الحبيب.

تسوّقت الحجة من معين مول نفحة ما لا يتسوّقه السائح من مولات تركيا، وجدت فيها ما يحلّق بروحها عاليًا، تترقرق في حنايا قلبها المعاني القرآنية السامية التي تحرّك فيه مكامن الجمال والروعة والألق الرفيع. وجدت نفسها تحمل على عاتق قلبها بضائع وكنوزا تنوء عن حملها القلوب الكبيرة في وقت قياسيّ سريع هو وقت هذه الزيارة، شحيحة الدقائق كثيرة المحامل العظيمة. 

كانت سياحة قلبية ووجدانية وفكرية ونفسية وروحية تستحق كل التعب الذي خاضت غماره على مدار اثنتي عشرة ساعة من العذاب المهين. تحمّل قلبها المريض هذا ليصل إلى ذاك الجميل العظيم.