بدأت الأصوات تتعالى وتنادي بانتشال منظمة التحرير الفلسطينية من الحضيض الذي وضعها فيه فريق أوسلو منذ أن تخلت عن مبادئ التحرير عقب توقيع اتفاقيات أوسلو المشؤومة عام 1993.
ومنذ ذلك التاريخ توالت سقطات المتنفذين بالمنظمة، بدءًا بقطع مخصصات المعارضين فيها، ومرورًا بتقديسها للجزء الأمني من الاتفاقيات التي تنصلت منها دولة الاحتلال، وليس انتهاءً باعتبارها دائرة من دوائر السلطة.
هذه السقطات أجبرت مكونات الشعب الفلسطيني على المطالبة بتجديد شرعية منظمة التحرير من خلال الانتخابات أو أي طريقة توافقية، لإعادة توجيه دفتها نحو الهدف الذي أنشئت من أجلها واحتضان القضية ولم شتات كل الفلسطينيين، إلا أن تلك المحاولات على مدار أكثر من عقدين من الزمان باءت بالفشل أمام تعنت القيادة المتنفذة بمؤسساتها التي نخر فيها الفساد والترهل.
فلم تعد منظمةً لتحرير فلسطين ولم تعد تمثّل الحد الأدنى لتطلعات أهالي غزة التي تقبع تحت الحصار منذ أكثر من 15 عامًا، ولا الضفة التي تقطع أوصالها الحواجز الإسرائيلية والمشاريع الاستيطانية، ولا الداخل المحتل الذي يواجه أشكالًا عديدة من الأبارتهايد، ولا حتى فلسطينيي الخارج الذين أكد الكثير منهم أن السفارات التابعة لمنظمة التحرير باتت أوكارًا للفساد ولخدمة الاحتلال الإسرائيلي، وما جريمة اغتيال المناضل عمر النايف في سفارة السلطة في بلغاريا إلا خير دليل على ذلك.
وأمام هذه المعطيات، فإنه ليس من المنطق أن منظمة تدعي أنها تمثل كل مكونات الشعب الفلسطيني ولا تضم بداخلها أكبر الفصائل المؤثرة في الساحة كحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية التي انسحبت من الهيكلة القديمة، وغيرها من الأحزاب، ناهيك بأنه غير مسموح لهذه الفصائل دخول مؤسسات المنظمة إلا إذا سقطت بالوحل الذي سقطت به قيادة المنظمة.
ولكن، كيف يمكن مواجهة هذه الحالة من التفرد التي تعيشها القضية الفلسطينية في ظل عدم تلبية المنظمة ومؤسساتها الحد الأدنى لتطلعات الشعب، وتعطيل رئيس السلطة للانتخابات؟
من وجهة نظري فإن أمام فصائل المقاومة خيارين لا ثالث لهما من أجل إنقاذ الحالة الفلسطينية من التشرذم والمزيد من السقوط، أولها اختراق منظمة التحرير -الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني- وتحريرها من خاطفيها والمتنفذين بها، والثاني هو تشكيل جسم وطني يكون قادرًا على تلبية طموحات الشعب.
ولو جئنا للخيار الأول لوجدناه من سابع المستحيلات حاليًّا، خاصة في ظل وجود محمود عباس والزمرة الفاسدة الذين يستغلون مناصبهم لتحقيق مصالحهم الشخصية، فليس واردًا في حساباتهم أن يجعلوا أحدًا يقصيهم أو حتى ينافسهم، فيخسروا كل امتيازاتهم التي حصلوا عليها من المنظمة والسلطة.
أما الخيار الوحيد المتبقي أمام فصائل المقاومة الفلسطينية فهو تشكيل الجسم الوطني، وأرى أنها قد بدأت بالخطوة الأولى منه من خلال الهيئة التي أُعلن عنها في الآونة الأخيرة تحت مسمى "الهيئة الوطنية لدعم وإسناد شعبنا الفلسطيني في الداخل المحتل" والتي ضمت الفصائل غير المنضوية تحت عباءة منظمة التحرير وعددًا لا بأس به من المستقلين والأكاديميين وهيئات المجتمع المدني.
هذه الهيئة كما أعلن مؤسسوها أن الهدف منها تنظيم فعاليات وطنية وشعبية تؤكد إسناد ودعم شعبنا في الداخل المحتل ضد الاعتداءات والإجراءات التي تنتهجها سلطات الاحتلال ضدهم.
وبرأيي فإن هذه الخطوة وإن كانت مهمة على طريق تصدُّر المشهد السياسي الفلسطيني إلا أنها تحتاج إلى الكثير من أجل إنضاج فكرتها، لتزاحم المتفردين بالقرار الفلسطيني الذين سيعدون الجسم الجديد خطرًا كبيرًا وبديلًا عن منظمتهم، وسيحاولون وضع الكثير من العقبات في وجهه وسيجيِّشون كل دول العالم ضده، باعتبارهم هم الأوصياء على الشعب أمام تلك الدول.
وختامًا أنصح القائمين على هذا الجسم الجديد باستثمار شرعيته المستمدة من شرعية المقاومة وترويج فكرته داخليًّا وخارجيًّا، وجعله يتصدر كل القضايا الوطنية باعتباره الجناح السياسي لغرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة، بدءًا من مساندة أهلنا في أراضي الداخل المحتل عام 1948 -كما أعلن الهدف منه- مرورًا بقضية القدس والأسرى، وليس انتهاءً بتبني فلسطينيي الشتات.