فلسطين أون لاين

تقرير القائد "القوقا".. دمر حلم الاحتلال بتسويق "الميركافاه"

...
أبو يوسف القوقا
غزة/ جمال غيث:

لم يكن العبد القوقا الملقب بـ"أبو يوسف" شخصًا عاديًّا، فلطالما دوّخ أجهزة أمن السلطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي اللذين حاولا الوصول إليه واعتقاله، ونجح في التخفي واجتياز العديد من الكمائن التي نصبت له.

لكن رغم حنكة القوقا ونصائحه لرفاق دربه بالحذر من مكائد الاحتلال وأعوانه، ونجاته من ثلاث محاولات اغتيال، كان على موعد مع الشهادة باغتياله في 31 مارس/ آذار 2006 بعد تفخيخ سيارة تحمل مواصفات سيارته الخاصة ذاتها، جهزها جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" في الداخل المحتل وأدخلها إلى قطاع غزة عبر عملائه، حيث تم تفجيرها خلال مروره من جانبها في أثناء توجهه لأداء صلاة الجمعة في مسجد مرج الزهور غربي مدينة غزة.

وولد "القوقا" في غزة عام 1962، وحصل على بكالوريوس لغة عربية من كلية الآداب التابعة لجامعة بيروت العربية فرع الإسكندرية، وعاش في بيت متواضع بمعسكر الشاطئ للاجئين غرب غزة سنوات طويلة.

يقول شقيقه رجب: "كان أخي لا يأبه للاحتلال وأعوانه، إذ كان يجفف المواد المستخدمة في تصنيع القنابل والصواريخ على سطح منزله القديم قبل أن تدمره طائرات الاحتلال خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2009".

ويؤكد بفرح: نجح "أبو يوسف" ورفاق دربه من فصائل المقاومة بتصنيع قنبلة يدوية بدائية، بعد محاولات عدة في منزله، كانت عبارة عن عبوة بلاستيكية مليئة بالشظايا، مرورًا بمراحل تطويرها إلى أن وصلت للقنبلة المتعارف عليها "الميلز"، بالإضافة إلى تطوير صواريخ "الناصر" بمختلف أحجامها وأشكالها.

اسم مستعار

ويعود شقيق "القوقا" بذاكرته إلى عام 1990 عندما باتت أعين الاحتلال وعملاؤه يلاحقونه؛ ما دعاه للخروج من القطاع متجهًا إلى مصر، باجتياز مسافة طويلة سباحةً وغطسًا برفقة صديقه الشهيد عماد حماد الذي لم يكن يجيد السباحة حينها، وكان "القوقا" يرفض مطالباته بتركه وإكمال طريقه، فأصر على حمله على ظهره والوصول به إلى بر الأمان، ليتخفى هناك عدة أيام، ويختار لنفسه اسمًا جديدًا يستخدمه في التنقل.

وعاد الشهيد "القوقا" إلى قطاع غزة مع إنشاء السلطة عام 1994، بعدما تنقل مع صفوف المطاردين في عدة دول عربية، منها الجزائر وليبيا وتونس ومصر، وبدأ مرحلة جديدة من النضال ضد الاحتلال.

علاقته بالضيف

وبدأ "القوقا" عمله كضابط في جهاز "الارتباط الفلسطيني" ثم عمل في جهاز الأمن الوقائي حتى استشهاده، لكن علاقته بالجهاز الأخير لم تحالفها الأجواء الطيبة، حيث يقول شقيقه: كان أبو يوسف يرفض بشدة سياسة الجهاز وتحديدًا المتعلقة بـ"أوسلو" والاعتقالات التي يشنها ضد المقاومين وخاصة الفصائل الإسلامية وتحديدًا حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

ولفت إلى أن سلوك الأمن الوقائي شكل أزمة بين شقيقه وقيادة الجهاز التي أمرت باعتقاله عدة مرات كان آخرها في 1 فبراير/ شباط 1999 بنصب كمين على مقربة من بيته في مدينة رفح جنوبي القطاع، ثم اقتحامه بعدما أفرغ عناصر القوة الأمنية رصاصهم في المنزل، بحجة البحث عن قائد كتائب القسام محمد الضيف.

وأضاف أن الحظ لم يحالف القوة الأمنية في اعتقال "أبو يوسف" إذ تمكن من الهرب بأعجوبة، لافتًا إلى أن شقيقه لجأ وقتها للإقامة عند أحد أصدقائه كان على علاقة مع رشيد أبو شباك مسير أعمال جهاز الأمن الوقائي آنذاك، الذي طلب تسليم "أبو يوسف"، وبعد مفاوضات سلم نفسه بشرط إطلاق سراحه فورا، وقد أطلق سراحه بعد شهرين.

وتركزت الأسئلة خلال التحقيق مع "أبو يوسف" حول القائد الضيف، وأماكن وجوده وأنواع الملابس التي يرتديها وأوقات تنقله وغيرها، وفق شقيقه.

وعلى الرغم من انتمائه لـ"فتح" وجهاز أمني، بدأ "أبو يوسف" من خلال عمله المقاوم بالتشبيك بين الفصائل الفلسطينية للدفاع عن الأرض والشعب وصد الاحتلال وجرائمه، حتى اعتبر أحد أقوى الحلفاء لحركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام، ورفض محاولات السلطة لتطويعه، وأفشل العديد من محاولات اعتقاله لمنعه من مواصلة عمله المقاوم، كما يقول شقيقه.

ولفت إلى أن "أبو يوسف" كان يتمتع بعلاقات قوية ومواقف علنية مع الفصائل الفلسطينية، وكان من المقربين للقائد الضيف، والشهداء القادة سعد الدين العرابيد ويحيى عياش وعدنان الغول، الذين جمعته معهم مراحل المقاومة خلال الانتفاضة.

مرحلة جديدة

وشكل القوقا مع بداية الانتفاضة مرحلة جديدة من النضال مع عدد من القيادات العسكرية كثير منهم محسوبون على الأجهزة الأمنية والفصائل الأخرى، ممن يؤمنون بالعمل المقاوم حلا للقضية الفلسطينية بعيدًا عن الحلول السياسية، وحمل التشكيل العسكري وقتها اسم "لجان المقاومة الشعبية".

وأوكلت لجان المقاومة الشعبية قيادة جناحها العسكري إلى "أبو يوسف" الذي يعرف بأنه أكثر ميلا للمقاومة على حساب العمل السياسي، وهو ما يفسر قلة ظهوره الإعلامي.

وشهد أول عامين من الانتفاضة ذروة عمل لجان المقاومة الشعبية، وفق شقيق الشهيد "القوقا"، إذ نفذ أبو يوسف ورفاقه 4 عمليات متتالية لتفجير دبابة "الميركافاه" الإسرائيلية، قتل فيها 3 جنود، الأمر الذي وضع قادة اللجان في دائرة الاستهداف الإسرائيلي.

وبفرحة يضيف: تمكن "أبو يوسف" ورفاقه من تدمير الدبابة كليا؛ ما عرّض الاحتلال لخسائر فادحة، إذ ألغت بموجبها تركيا والصين والهند صفقة لشراء دبابات تقدر الواحدة منها بـ60 مليون دولار حينها، الأمر الذي أسعد شقيقي ورفاقه المقاومين.

محاولات الاغتيال

وقال القوقا إن شقيقه تعرض خلال انتفاضة الأقصى لثلاث محاولات اغتيال نجا منها، بدأت بمحاولة استهداف سيارته في حي الزيتون شرق مدينة غزة، ثم استهداف منزله مرتين بطائرات الأباتشي في يوم واحد، بعدها تم وضع ألغام في سيارة وضعت بالقرب من منزله لتفجيرها خلال مروره.

وأضاف أن بروز اسم "أبو يوسف" في جميع قوائم المطلوبين للاحتلال كان يسعده، ويقول لنا "إذن أنا على طريق الحق ولن أتخلى عنه".

وبحزن يكمل القوقا: نجح الاحتلال في الوصول إلى "أبو يوسف" أخيرا باغتياله، مردفا أنه قبل اغتياله بأيام شعر بدنو أجله "فجمع من أحبه، وقادة الألوية وأطلعهم على سير العمل والأموال التي بحوزته".

وأكد أنه بعد اندحار الاحتلال من قطاع غزة، كان يطمح "أبو يوسف" إلى نقل العمل المقاوم وتقنية التصنيع إلى الضفة الغربية المحتلة، "وهذا كان السبب الرئيس لاغتياله، إلى جانب رفضه المستمر لطلب السلطة منه وقف نشاطه العسكري".