في اليوم الأول الذي وقع فيه في قفص الصياد، رفض النمر أن يأكل الأعشاب والحشائش، إنه النمر المفترس، الذي اعتاد اصطياد الظباء والغزلان، وأكل اللحوم الطازجة، فأي جريمة هذه؟ حين يعرض عليه الصياد الحشائش طعامًا؟
عبر اليوم الأول واليوم الثاني، دون أن يفتش النمر عن الطعام، لقد كان مشغولًا بواقعه الجديد، ولكن في اليوم الثالث، جاع النمر، وطالب بالطعام، فقال له الصياد: ليس لدي إلا هذه الحشائش والأعشاب طعامًا لك وللأغنام والجواميس والحمير.
صمد النمر أمام الجوع حتى اليوم السادس، فصرخ طالبًا الطعام.
يومها، قال له الصياد: إذا كان طعامك اللحم الطازج، فأنا أطلب منك أن تنهق كالحمار أولًا، بعد ذلك أقدم لك اللحم.
غضب النمر، ولم يسمح للصياد أن يطرح عليه فكرة النهيق كالحمار.
في اليوم السابع، جاع النمر أكثر، وراح يلف ويدور داخل القفص، ولا يجد بداخله إلا الحشائش والشعير، فنادى على الصياد، طالبًا الطعام، ولكن الصياد وقف عند شرطه للنمر، سأعطيك اللحم طعامًا، شرط أن تنهق كالحمار.
في اليوم الثامن، راجع النمر مواقفه السياسية، وراحت نفسه تراوده بالنهيق مقابل الطعام، وماذا يضير النمر لو نهق مثل الحمار، سيظل نمرًا، حتى لو نهق كالحمار.
في اليوم التاسع، راح النمر يرقب وصول الصياد، ويتلهف لعقد اجتماع معه، وقد اقتنع تمامًا، بأنه سينهق مثل الحمار مقابل الطعام.
في اليوم العاشر، وكان الجوع قد نهش أحشاء النمر، انتظر النمر وقوف الصياد بجوار القفص، حتى بادر الحمار بالنهيق، والمطالبة باللحم، ولكن الصياد لم يقدم اللحم للنمر، الصياد قدم للنمر الحشائش والشعير، وهو يقول جملته الشهيرة: بما أنك صرت تنهق كالحمير، فعليك التصرف مثل الحمير، ليصير طعامك منذ اليوم الحشائش والشعير.
النمور في اليوم العاشر قصة للكاتب السوري زكريا تامر، لخصتها بعدة جمل لأقرب المشهد للقارئ، وهو يسمع عن اجتماع دول الاتحاد الأوربي في بروكسل، بحضور ممثلي السلطة الفلسطينية، لإقرار المساعدات المالية السنوية للسلطة بقيمة 214 مليون يورو ، وقد انتهى الاجتماع دون الموافقة على تقديم المساعدات للسلطة، فما زالت الأغلبية في التصويت لصالح ممثل دولة المجر، الذي ربط المساعدات بتغيير المناهج الدراسية في مدارس الضفة الغربية.
وكانت لجنة مراجعة الميزانية في البرلمان الأوروبي قد تبنت موقف المجر، والذي اشترط تقديم المساعدات، بتغيير المناهج التي تتضمن موادَّ تحريضية ضد إسرائيل ومحتوى لا ساميًّا.
ورغم كل التغييرات التي أجرتها السلطة الفلسطينية على المنهاج الفلسطيني، والتي تتعلق بالقدس التي صارت شرقية فقط، وبمساحة فلسطين التي اقتصرت على مساحة الضفة الغربية وغزة، وحدود دولة فلسطين التي صارت من الخليل وحتى جنين فقط، واللاجئين الذين تطالب المناهج بعودتهم إلى الضفة الغربية وغزة فقط، وفيما يتعلق بالأسرى، رغم كل التغييرات في المنهاج الفلسطيني، فإن الشروط الإسرائيلية لا تتوقف، ما دام اشتد جوع الفلسطينيين، واشتدت الحاجة إلى المساعدات.
لقد صار حال السلطة الفلسطينية كحال النمور في اليوم العاشر، فبعد وقوعها في قفص اتفاقية أوسلو، وبعد سنوات من معاناة الإفلاس والفساد، لم يبقَ أمام قيادة منظمة التحرير إلا تنفيذ شروط الصياد الإسرائيلي، ومن يرتضي أن ينهق كالحمير، عليه أن يأكل الحشائش والشعير.