من المعلوم أن سياسة بايدن الخارجية تقوم على الامتناع عن إرسال قوات أمريكية للقتال في الخارج. لا مانع عنده من تعزيز القوات الأميركية الموجودة في دول الناتو، وذلك بحكم اتفاقات الأطلسي وهي اتفاقيات قديمة. ولكن هل ينطبق ذلك على الشرق الأوسط؟!
في دولة الاحتلال يشعرون بقلق من سياسة بايدن، ويرون أن أوكرانيا تمثل نموذجًا لتراجع أميركا، وانكفائها على الذات، وربما شعر زلينسكي بخيبة أمل من الناتو ومن بايدن، فقد تبخرت الوعود أمام الجبروت الروسي. تجربة أوكرانيا مع الغرب هي قيد المراجعة والدراسة في الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية، لذا سافرت شخصيات عسكرية وأمنية لواشنطن تحمل ملفات القلق.
لكن أهم ملفات القلق ليست أوكرانيا بل إيران، سواء على مستوى الملف النووي، أو على مستوى تبادل الكمات القوية. دولة الاحتلال قامت بسلسلة كبيرة من الهجمات ضد أهداف إيرانية في سوريا، وقتلت عديد من الإيرانيين، وكان آخرهم ضابطان إيرانيان، ومن ثمة ردت إيران بصواريخ بالستية دقيقة هاجمت بها منشآت للموساد الإسرائيلي في أربيل بالعراق.
الهجمات الإيرانية فيما يبدو لم تكُن موجهة للقنصلية الأمريكية (تحت الإنشاء) في أربيل، بل كانت موجهة ضد منشآت تتبع الموساد الإسرائيلي، وكانت لإيران سلسلة من الهجمات ضد سفن بحرية تابعة (لإسرائيل). الجديد في هذه السلسلة المتبادلة من اللكمات القوية أن إيران أعلنت عن مسؤولية الحرس الثوري عنها، وأن القصف استهدف أهدافًا إسرائيلية، ما يعني أن لغة التحدي أصبحت علنية، دون تخوف من التداعيات، وهذا فيه ملاحظتان:
الأولى أنها تعطي الإيرانيين إحساسًا بالثقة بالنفس، ومن ثمة حشد الرأي العام الداخلي خلف الحكومة والحرس الثوري. والثاني أن القلق (الإسرائيلي) تزايد في ضوء الحرب في أوكرانيا، ومن ثمة بات سؤال الحرب قائمًا: هل تدخل (إسرائيل) حربا منفردة مع إيران، وهل تخاذل الغرب وأميركا في أوكرانيا هو ما شجع إيران على الهجوم العلني، وبصواريخ بالستية من خارج الحدود العراقية؟!
ما من شك أن العالم اليوم أشبه بالقرية الموحدة المتواصلة بشكل دائم وسريع، وعليه فلا يستبعد أن تكون للحرب الأوكرانية تأثيرات على الواقع القلق المضطرب في منطقة الشرق الأوسط، وبالذات بين إيران (وإسرائيل). ولكن السؤال الموضوعي يقول: هل تذهب هذه التأثيرات باتجاه زيادة النيران المشتعلة في طهران وتل أبيب، أم العكس ممكن أن يحدث، ولا سيما إذا اقتنعت دولة الاحتلال بأن تجربة أوكرانيا ستتكرر في الشرق الأوسط إذا ما وقعت الحرب. أميركا بايدن لن ترسل قواتها خارج منطقة الناتو؟! الفرص ببعدها الموجب والسالب هي قيد دراسة وتقدير في طهران وتل أبيب، والأيام القادمة حبلى بتطورات غير منظورة.