فلسطين أون لاين

"موزِّع بضائع" للتخلص من البطالة

"أبو طعيمة.. علّق صور مشروع تخرجه على "تكتوك"!

...
غزة - مريم الشوبكي

كانت فكرة مشروع تخرجه من قسم الهندسة المعمارية "مميزة"، وحصدت إشادة أساتذته، فرسم على إثر ذلك أحلاما وردية بالحصول على وظيفة تناسب تميزه، ولكنه اصطدم بالواقع الذي تشحّ فيه فرص العمل، وأخيرا لم يجد حلًّا سوى أن يعلق صورًا لمشروع تخرجه على عربة "تكتوك" تتدلى منه أكياس رقائق البطاطا "الشيبس"، يجول به شوارع غزة لبيعها، ليجد بذلك مصدر دخل.

الشاب صدام أبو طعيمة (26 عاما) نشأ في محافظة خانيونس، حصل عام 2012 على دبلوم الهندسة المعمارية من الكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا، ومشروع تخرجه كان لبناء مبنى المجلس التشريعي الفلسطيني، بطريقة مستوحاة من معالم مسجد قبة الصخرة مع تفاصيل الكوفية الفلسطينية.

لفت النظر

تحدث أبو طعيمة عن السبب الذي دفعه لتعليق صور مشروع تخرجه على "التكتوك": "ما رميت إليه من تعليق الصور هو لفت النظر لواقع الخريجين في ظل انعدام فرص العمل، ولأوضح أن مصيرهم العمل في مشاريع لا علاقة لها بمجال تخصصهم البتة، من أجل أن يؤمنوا لأنفسهم دخلًا بسيطًا يمنعهم من سؤال الغير".

وأضاف لـ"فلسطين": "من خلال تجوالي لبيع المواد الغذائية بالجملة، لاحظ الناس ما أضعه على العربة، فاستغربوا، وباتوا يسألونني يوميا ويستفسرون عن فكرة الصورة، وبعضهم يعلّق ساخرا: (ايش هالفلل الحلوة)، فأضطر لشرح المشروع لهم، ومن ثم يبدون تعاطفهم معي، لأن بعضهم يحمل نفس همي، فمنهم خريجو هندسة ويعملون في توزيع المواد الغذائية".

وشرح أبو طعيمة فكرة مشروعه: "هو تصور لمبنى للمجلس التشريعي، مقتبسٌ من شكل قبة الصخرة، وفيه أربعة أشكال ثُمانية متداخلة مع بعضها، والمشروع تراثي إسلامي، مع إدخال تفاصيل الكوفية الفلسطينية".

واللافت هو شكل الكوفية في تصور المبنى، وهذا ما استدعى من مشرف مشروعه أن يسأله: "لماذا الكوفية؟!"، فكان رد أبو طعمية أن الكوفية في أنحاء العالم هي رمز للشعب الفلسطيني، وليست حكرا على فصيل دون آخر، وهي من الثوابت كالعلم الفلسطيني بالضبط.

الأول ولكن..

واللافت في الأمر أن مشروع تخرجه حاصل على المرتبة الأولى على مشاريع زملائه في دفعته عام 2012، والثاني في مسابقة لمشاريع التخرج نظّمتها الجامعة الإسلامية.

ويعلق قائلا: "إحساسي بالنشوة والسعادة إثر نجاحي الباهر في مشروع التخرج وإشادة أساتذتي ومشرفي المشروع، كانا سببين كافيين لأرسم أحلامًا لما سيكون عليه مستقبلي في وظيفة تليق بي، لا سيما أنني أمضيت ساعات طويلة في التصميم والتعديل، حتى أتميز في مشروعي، وبذلت جهدا كبيرا، وحصلت على نتيجة أرضتني".

واستدرك أبو طعيمة: "ولكن أن يضيع تعبي هباء وقد مضى على تخرجي خمسة أعوام بلا وظيفة أو حتى مشاريع تشغيل مؤقت، فهذا يثير في نفسي شيئا من الضيق والحزن على ما آل إليه وضع الخريجين، ينفقون أموالًا على دراستهم الجامعية، ثم يضطرون إلى التخلي عن شهاداتهم والعمل في أي مهنة توفر لهم دخلا".

وقبل عام وشهرين، اهتدى أبو طعيمة لفكرة مشروع تقوم على شراء "تكتوك" وتوزيع مواد غذائية بالجملة على أصحاب المحلات، ولكي يتمكن من تنفيذ مشروعه، استدان أموالًا وراكم على نفسه الديون، على أمل سدادها عند نجاح مشروعه.

وقال: "أجد نفسي محظوظا لأنني وجدت من يقرضني مالا، وفي المقابل هناك خريجون غير قادرين على شراء (التكتوك) أو تنفيذ مشاريع أخرى، ويجلسون مكتوفي الأيدي في بيوتهم، يفكرون بالماضي، وقد يندمون أنهم درسوا في الجامعات وأنفقوا أموالا كثيرة على ذلك، وربما تمنوا لو أنهم استثمروا هذه الأموال في مشاريع حرة".

لا تنتظر الوظيفة

ونجاح أبو طعيمة في مشروعه رسالة لكل الخريجين، مفادها أن اخرج من حصار البطالة، واطرق كل الأبواب، وجرب أي عمل، لا تنتظر الوظيفة، بل اعمل أي مهنة مقبولة، حتى وإن لم يكن لها علاقة بمجال تخصصك، حتى تعتاش من دخلها، ولا تحتاج صدقة من أحد، على حد قوله.

بعد هذه الفترة البسيطة من العمل، حقق بعضا من الربح، ورد الديون إلى أصحابها، ويسعى حاليا إلى تطوير مشروعه، ولكنه يحتاج إلى دعم من المؤسسات التي تدعم أصحاب المشاريع الصغيرة، وقد قدم طلبات في أكثر من مؤسسة، وحتى الآن لم يحصل على ردود سوى: "انتظر دورك".

وعبّر أبو طعيمة عن إصراره على مواصلة السعي لتوسيع مشروعه، حتى ينتقل إلى مرحلة أفضل في حياته، ويوفر ما يكفيه ليكوّن عائلة.

وأشار إلى أن التحاقه بقسم الهندسة المعمارية لم يكن سهلا، بل اضطر إلى العمل في مجال البناء، وعدة حرف أخرى في أشهر الإجازة الصيفية، وساعده إخوته ببعض المال، لكي يتمكن من إنهاء دراسته، فوالده عاطل عن العمل، حيث كان يعمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948.

وأوضح: "قسم الهندسة المعمارية والديكور لا مستقبل لخريجيه في غزة، فمن يرغب ببناء بيت، يستعين بالمقاول أو المهندس المدني لكي يصمم له بيته، ولا يستعين بالمهندس المعماري ليضع لمساته الفنية على تصميم البيت".