وقعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فماذا عسانا أن نفعل؟
بعضنا تعاطف مع أوكرانيا على اعتبار أن تعاطفه هو جزء من الإنسانية وتعبير عن رفضه أن تتجزأ الإنسانية، وبعضنا أيد خطوة روسيا على اعتبار أن روسيا تتحدى أمريكا والغرب الذي هو سبب مأساتنا كعرب وكفلسطينيين على وجه الخصوص، يعني "بتفش غلنا"، وبعضنا يقول "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين" أو على رأي المثل الشعبي "لحم كلاب في ملوخية".
أما الساسة فقد احتاروا، فاستخاروا واستشاروا، ووصلوا لنتيجة مفادها "الله يعدي هالفترة على خير"، فاختاروا تعبيراتهم بعناية فائقة، لأنه لو ساندوا روسيا ستغضب أمريكا، ولو ساندوا أمريكا ستغضب روسيا.
في لقاء حواري بعنوان "الحرب على أوكرانيا ملهاة أم مأساة؟"، نظمه الدكتور المستشار أحمد يوسف في بيته برفح بحضور نخبة من المنشغلين والمشتغلين بالسياسة، كنتُ حاضرًا، وجال الحضور بأفكارهم حول ما يحدث في أوكرانيا.
ولأنني تعودت أن أنظر للمنح القادمة من بطن المحن، فيسعدني أن أقدم ما طرحته وما طرحه الحضور:
١- أهمية امتلاك القوة لإثبات الذات، فإثبات الذات في الميدان أكبر من الجعجعة الصوتية (جعجعة بلا طحين) فروسيا الآن ليست هي روسيا ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
٢- المصالح هي المحرك الوحيد لأي سياسة، فلا يظن أحد أن أمريكا والغرب تدافع عن أوكرانيا من باب الإنسانية، فأوكرانيا في بطنها الخير الكثير مما يسيل لعاب الكثيرين.
3- إظهار كذب وزيف الغرب فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحماية المدنيين وقت الحرب، فالساسة الغربيون الذين تحدثوا عن ضرورة حماية المدنيين وحقوق الإنسان هم أنفسهم الذين بلعوا ألسنتهم حينما تعرض أبرياء كثيرون في مشارق الأرض ومغاربها للموت الزؤام، خاصة أن روسيا التي تقصف أوكرانيا هي ذاتها التي تقصف أطفال سوريا.
4- التمييز العنصري، فلقد سمعنا على لسان أكثر من شخصية غربية رسمية تتعدد مجالات عملها بأن اللاجئ الأوكراني ليس كما غيره، فالأوكراني أولى بالحماية والأمن، لأنه صاحب بشرة بيضاء وعيون زرقاء وثقافة غربية، ففتحت أوروبا صدرها لهم دون تأشيرات ودون تردد، أما اللاجئ العربي فيتعرض للقهر والظلم من أنظمة تساندها أمريكا والغرب ولا يسمح له باللجوء إلا بـ(طلوع الروح).
5- لم نسمع مصطلح الإرهاب في الإعلام الغربي وكأنها رسالة يريد إيصالها الساسة وإعلامهم بأن الإرهاب خُلق خصيصى ليلاصق المسلمين فقط.
6- الإعلام الرسمي نائم في العسل، وكأن الأمور على ما يرام، والتفسير المنطقي لذلك هو أن الإعلام الرسمي يأخذ كلامه مع الزعيم، والزعيم العربي يتعامل بسياسة "ضبط النفس".
7- إن التعويل على حماية أمريكا والغرب له هو تعويل وهمي، وهي رسالة للأنظمة العربية وغيرها مما ينامون في جلباب أمريكا بأن أي خلخلة في بلادكم ليس بالضرورة أن تدفعنا لنحميكم، فالحماية مرتبطة بمدى الاستفادة، ولو تأملنا في نداءات الرئيس الأوكراني "زيلنسكي" سنجده يتوسل الحماية الغربية له.
8- القضية الفلسطينية هي أكثر من تنعكس عليها آثار ما يحدث، خاصة على المنظور الاقتصادي، فبمجرد بدء الحرب ارتفعت أسعار السلع الأساسية وهذا يدل دلالة واضحة على أننا لسنا فاعلين بالقدر المطلوب، بل مفعول بنا في غالب الأحيان.
إن الرأي الموضوعي هو أن الأطراف المتحاربة سجلهم حافل بالقتل والإجرام، فجرائم أمريكا تسد عين الشمس وما تفلعه روسيا في سوريا لا ينكره أحد، لذا علينا أن نبني مواقفنا على قاعدة ماذا سنجني من فلان إن قلنا له "برافو عليك"؟
واختم بالإجابة عما سبق، إن الحرب هي مأساة وملهاة في ذات الوقت، والمواطنون فيها أقرب إلى أحجار على رقعة الشطرنج.