قائمة الموقع

عبد الله الحصري.. مقاومٌ قنصَ الشهادة من "فوهة بندقيته"

2022-03-12T10:00:00+02:00
صورة أرشيفية

أدرك أن الاحتلال الإسرائيلي لن يرتدع إلا من فوهة البندقية، وأن "السلام المنشود" يتحقق بعد تحرير الأرض من آخر محتل يجثم على كل شبرٍ فيها، كان دائمًا يرى فلسطين من فوهة البندقية، تبعثُ رصاصاته الأمل بأن جذوة المقاومة لم تخمد بعد، وأن بركان غضبها حتمًا سينفجر رغم الملاحقة والمطاردة للمقاومين.

حاصره الاحتلال داخل مخيم جنين بالضفة الغربية، لكنه كان شبحًا طارد المحتل أينما وصلت عجلات مركباته العسكرية المقتحمة لشوارع المخيم.

صدى رسالة عبر مجموعة "واتساب" لأبناء المخيم تفيد بدخول سيارتين مشبوهتين للمخيم، بينما كان يجلس عبد الله الحصري (23 عامًا) مع شقيقه الذي يكبره بثلاثة أعوام محمد في مقهى في المخيم مطلع مارس/ آذار الجاري، يحتسيان القهوة، قبل أن تتضح ماهية السيارتين، معلنين الاستنفار: "جيش.. جيش يا شباب".

ترك عبد الله قهوته طالبًا من شقيقه مغادرة المقهى معه حالا "يلا على البلد"، فقاد محمد السيارة بسرعة حتى وصلا بيتهما في المخيم، فاستل عبد الله بندقيته كمن يسحب سيفًا من غمده، تغيرت ملامحه التي أوقدت نيران ثورتها وغضبها جمرًا، وطلب من شقيقه نقله إلى مركز المخيم، هذه المرة رفض شقيقه الطلب: "بزبطش يخوي، لازم نعرف وين الجيش بعدين اعمل شو بدك"، عبد الله يتعجب من الرد: "مالك صاير تخاف، بقيتش هيك زمان!".. استفزت الكلمات شجاعة محمد الذي دار بسيارته نحو ميدان الاقتحام رافضًا فكرةَ أن "تهتز شجاعته" أمام شقيقه.

لكن لم يخل الطريق رغم سرعة دوران عجلات المركبة من النصائح "دير بالك يخو.. الجيش بنعرفش مكانه"، ليبدأ الكلام يتحرك بصوت عبد الله "أنا حابب استشهد من شو أخاف؟.. بعد المُر اللي دقته والعذاب اللي تعذبته بالسجن، هاي أمنيتي".

مسرح مواجهة

يقول محمد لـ"فلسطين أون لاين": "ما أن وصلنا ترجل عبد الله من السيارة مسرعًا ووضع الرصاصات في بيت النار، وسأل الشباب عن مكان الجنود، فأجابه أحدهم أنهم بدؤوا بالانسحاب، فقال لي: بدي ألحقهم قبل ما ينسحبوا".

انطلقت أول أربع رصاصات من بندقيته تجاه القوة المنسحبة، لكن قناصًا متخفيًا باغته برصاصة في يده فأسقط بندقيته، ثم بعدة رصاصات في صدره أسقطته أرضًا، يضيف محمد.

"لم يدر الجندي أن عبد الله قنص الشهادة من فوهة البندقية، ثم دارت الاشتباكات، وحاول أحد الشباب الاقتراب لإسعافه فأطلق جنود الاحتلال الرصاص عليه وأصابوه أيضا"، وبقي محمد بالسيارة يراقب المشهد الذي يرويه حتى جاءت سيارة الإسعاف ونقلت شقيقه شهيدًا.

يستحضر محمد ملامح شقيقه قبل نزوله من السيارة "ردد الشهادتين وصارحني أنه يريد الشهادة، بل رأيت ذلك في عينيه"، مستذكرا وصول شقيقه تهديدا أرسله قائد جيش الاحتلال بالمنطقة له عبر أسرى محررين أن المرة القادمة لن تكون أسيرًا بل "سنقتلك"، وهو ما كان عبد الله يتمناه، شهادة في سبيل الله.

ثم علق محمد على وجود اسم شقيقه في قائمة كانت أجهزة أمن السلطة قد نشرتها لقائمة مطلوبين لها، بقوله: "كان ذلك قبل شهرين من استشهاده، وفي هذه الفترة كان يتحرك فقط بالمخيم، أما خارج المخيم فكان يتنقل بسرية تامة وفي ساعات المساء، أذكر أنه قال لي: مش عارف أتلقاها من السلطة ولا من اليهود".

سنواتٌ مُرَّة

عبد الله الذي اعتقل أول مرة وهو في سن السادسة عشر بتهمة رشق الحجارة على قوات الاحتلال ذاق ألوان العذاب والشبح والتعذيب، وقد بلغ مجموع سنوات أسره أربع سنوات ونصف، وهي نفس المدة التي أمضاها شقيقه محمد كذلك، أطولها كانت حينما أفرجت عنه أجهزة أمن السلطة في إبريل/ نيسان 2019 بعد شهرين من الاعتقال، ثم أسره الاحتلال في يونيو/ حزيران من العام نفسه وأفرج عنه في أغسطس/ آب 2021.

خرج عبد الله في أسره الأخير يعاني من أوجاع في معدته تشتد وطأتها كلما حاول تناول الطعام، وقبل استشهاده بنصف ساعةٍ زاره الألم من جديد "فعندما كنا في المطعم وبدأ تناول العشاء شكا لي من تألمه وكان مقهورًا، حتى أن ملامحه بهتت في الفترة الأخيرة رغم أنه كان يمارس لعبة كمال الأجسام قبل الأسر" يسرد محمد.

اخبار ذات صلة