فلسطين أون لاين

بين جدران سجون الاحتلال العنصري

تقرير في يوم المرأة العالمي.. تسحق أعمار الأسيرات ومُحررات يستذكرن "الانتظار المميت"

...
صورة أرشيفية
الخليل-رام الله/ فاطمة الزهراء العويني:

بين أربعة جدران يُلقي الاحتلال الإسرائيلي بكثيرٍ من النساء والفتيات الفلسطينيات في ظروف معيشية بالغة السوء، ضاربًا عرض الحائط بكل القوانين الدولية والاتفاقيات المنادية بحقوق المرأة، في حين تُنتزع النساء من أحضان عائلاتهن، ليقضين "انتظارًا مميتًا" قاتلًا للوقت والنفس على أمل أن يجتمعنَ ثانيةً بأسرهنّ، ما يجعل من الاحتفال بـ"يوم المرأة العالمي" أمرًا منقوصًا طالما يتجاهل معاناة الأسيرات الفلسطينيات.

ندوب غائرة

فـ"تجربة الأسر تترك ندوبًا غائرة في نفسية الأسيرة، لا يمكن محوها مهما مر الزمن"، تقول الأسيرة المحررة سوزان العويوي من مدينة الخليل لـ"فلسطين".

فأنْ تُنتزع المرأة من أسرتها في شهر رمضان المبارك الذي يجمع العائلة ويقاربها لتُلقى في غياهب سجون الاحتلال، أمرٌ لم يكن بالسهل البتة، "لقد كان الاعتقال صادمًا بكل المقاييس و"مأساة مركبة" لأنه لم يكن متوقعًا أساسًا فلم يسبق أن تم اعتقالي، ولتوقيته في العشرين من رمضان، وصدمة الابتعاد عن العائلة"، تبين العويوي.

لم يكن الاعتقال بالتجربة السهلة على الأسرة، فقد تركت أبنائي في مرحلة حساسة فكانت ابنتي الكبرى "وعد" في "التوجيهي" وشقيقاها في الصفيْن السادس والثامن، "لكن ما هون الأمر أن مدة اعتقالي كانت عامًا واحدًا فقط، فأفرج عني وابنتي تتقدم للامتحانات النهائية في الثانوية العامة".

تجربة سلبية

وتستدرك بالقول: "لكن رغم أن أبنائي لم يكونوا صغارًا إلا أن نفسيتهم تأثرت بهذا الاعتقال كثيرًا، وما زالت تلك التجربة سلبية بالنسبة لهم".

وما ساعد العويوي على التعامل مع مرحلة الأسر أنها عملت في المجال الصحفي الخاص بالأسرى قرابة سبع سنوات، ما جعل في جعبتها معلومات كثيرة عن الأوضاع في السجون والاعتقال والتحقيق، بجانب معايشتها لاعتقالات متكررة عاناها أشقاؤها.

وعلى الرغم من كل ما سمعته عن الأسر فإن المعايشة على أرض الواقع "صعبة بشكل لا يوصف" لا يدرك صعوبتها إلا مَنْ رأى جدران السجن، "كنا نصارع أنفسنا بين التوق لرؤية عائلاتنا في الخارج والقلق عليهم والاضطرار للتعايش مع ظروف الاعتقال والتأقلم مع أناس جدد جمعتنا بهم الزنازين".

ويزيد الأمر صعوبة غياب كل مقومات الحياة الطبيعية عن السجن، "ففي السجن نحن في منطقة وسط ما بين الحياة والموت، فتحلم فقط بأنْ تحصل على سكينة لتقطع الخضار بها، أو مواد تنظيف وتعقيم".

وتابعت العويوي: "الأكل سيئ نوعًا وكمًّا والنوع والكم تحدده الإدارة ولا تغير الأصناف التي تُقدَّم، فالخضار هي خضار شكلًا فقط أما طعمها فهو في غاية البعد عن الخضار، كما أن الدجاج يكون بريشه ولحم العجل شكله غريب ولونه مقرف جدًّا، وكله مما تعافه النفس البشرية".

وحتى لو أرادت الأسيرة الشراء من مالها الخاص، "فالخيارات أيضًا مُقيدة تحددها الإدارة، والكانتينا لا تفتح سوى كل 15 يومًا مرة".

ولجأتْ العويوي لشغل وقتها بقراءة القرآن والاطلاع، "فقد قرأتُ 54 كتابًا، وكنتُ أتابع الأخبار للتفريغ النفسي".

وتضيف: "أصعب ما في السجن هو اعتقال القاصرات فنحن كنساء قد أنهين تعليمنا وتزوجنا ولدينا أطفال، نُعد قد قطعنا مراحل مفصلية في حياتنا، لكن القاصرات حياتهن توقفت قبل أن تبدأ، فلم يتمكن من التعليم والزواج، والاندماج في الحياة خاصة ممن حُكمن بأحكام عالية".

صعوبات الحياة

وتردف العويوي بالقول: "نحن نحمل مؤهلات عالية وخبرات حياتية تمكننا من التعامل مع صعوبات الحياة، فما بالك بالقاصرات خاصة ممن اعتقلن مصابات بإصابات خطيرة؟!".

وتلفت إلى أن "هناك أعمارًا تُسحق تحت عنجهية السجان، وتجربة السجن تترك ظلالها على النفسية مهما كان الإنسان قويًّا"، متابعة بالقول: "فيما يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي فهو يترك الأسيرات في سجون الاحتلال في ظروف بالغة السوء، ولذلك فهو احتفال غير سوي أبدًا".

لم تختلف الصورة كثيرًا عند الأسيرة المحررة شذا حسن التي تصف الاعتقال بالتجربة الصعبة التي تذكرها لقساوتها بكل شيء صعب في الحياة، وعلى الرغم من أن عائلتها اعتادت الاقتحامات والاعتقالات المتكررة لأشقائها فإن اقتحام الثاني عشر من ديسمبر لعام 2019 كان مختلفًا".

تقول حسن: "أصبنا بالصدمة عندما أخبر ضابط المخابرات الإسرائيلي والدي بأنني أنا المطلوبة، كان الأمر صادمًا، فقد كانت كل أسئلة المحققين في التحقيق تدور عن نشاطي الطلابي في جامعة بيرزيت وهو أمرٌ لم أتوقعْ أن أسجن بسببه".

وحُكِمَ على حسن بالاعتقال الإداري لمدة خمسة شهور، "انتزعت من بين أهلي وجامعتي، وأصبحت رفيقة لأسيرات لطالما سمعتُ عنهن بالإعلام وممن كنا نستحضر أسماءهن خلال فعالياتنا الطلابية كالأسيرة شروق دويات، وأصبحت واحدة منهن".

ورغم أن "حسن" لا تتمنى أبدًا أنْ تعود لتجربة الأسر، فإنها ترى فيها "تجربة زاخرة" تصقل الشخصية لصعوبتها، "فقد كانت الخمسة أشهر كخمس سنين في إكسابي الخبرة في الحياة".

تضيف: "السجن محطة قاسية موجعة مليئة بالمعاناة من أول لحظة إلى آخر لحظة، وأصعب ما فيها "البوسطة" التي هي رحلة عذاب للأسير السليم جسديًّا فما بالك بالأسير المريض أو كبير السن؟!".

ومن الأشياء الصعبة التي تعيشها الأسيرات مشاعر الأمهات وهن يسمعن صوت أبنائهن على الإذاعة أو يسمعن عنهم أي خبر أو يغلبهن الاشتياق لهم فتنهمر دموعهن، وليس أقل من ذلك معاناة الأسيرات القاصرات اللاتي كن لا يمللن من سؤالي عن الجامعة والحياة فيها كحلم بعيد المنال بالنسبة لهن، كما تخبر "حسن".

وتردف أن ما يزيد الأمر صعوبة ليست الظروف المعيشية الصعبة فحسب بل الانعدام التام للخصوصية، "فتجد أن أبسط الأشياء التي تتمتع بها في الخارج هي حلم كبير للسجين".

وترى "حسن" أن لا معنى لاحتفال العالم بـ"يوم المرأة" في ظل وجود أسيرات فلسطينيات يعانين تحت ظلم السجان كل ساعة ودقيقة، "أنا بالذات يحمل لي يوم المرأة ذكرى سيئة، فقد تم تجديد اعتقالي الإداري في الثامن من آذار 2020م".