فلسطين أون لاين

تقرير فؤاد ميعاري: حين هاجمنا "الصّهاينة" اختبأنا بين أشجار الزّيتون

...
فؤاد ميعاري
بيروت/ انتصار الدّنّان:

عكبرة قرية فلسطينية صغيرة، قضاء صفد، تقع في الجليل الأعلى، كان يعيش فيها أهلها بأمن وأمان، يعيشون من خيراتها، الوفيرة وليس لديهم ما ينغص عيشتهم، ومنها ينحدر الفلسطيني فؤاد نايف ميعاري الّذي تركها وهو في الرابعة من عمره، ليستقر بعد رحلة عذاب طويلة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في جنوب لبنان.

يقول فؤاد (77 عامًا): "أخبرتني أمّي أنّه قبل أن نترك فلسطين مجبرين بسبب العدوان الصهيوني على أرضنا في 10 أيار 1948، كان عندنا أرض واسعة خيّرة، وكان أهلي يزرعونها قمحًا وشعيرًا وذرة، وأنواعا عديدة من الخضار، كالكوسى والخيار والبصل. وكانت الأرض في بلادنا طيّبة فتعطي فاكهة طيّبة، لا موادّ كيميائيّة فيها".

يتابع: كما كان عندنا المواشي، من ماعز وغنم وأبقار وخيل. عندنا الحليب واللبن والجبنة، والعسل الصافي الذي كان أهلي يقطفونه من الصخور. كنا نعيش من خيرات أرضنا ولا نحتاج لأي شيء كان على عكس ما نعيشه اليوم، فليس باستطاعتنا الحصول على تلك الخيرات.

يضيف فؤاد: عندما بدأت المعارك مع الصهاينة كنت في الرابعة من عمري، وبحسب ما أخبرتني به أمي فقد كان مشاركًا في مساندة الجيش الفلسطيني ضد الصهاينة جيش الإنقاذ، ولم يكن مع الفدائيين سلاح كافٍ وجيد، فالسلاح الذي أعطاه جيش الإنقاذ للفدائيين لم تكن الرصاصات الموجودة فيه تكفي أو أنها كانت فاسدة. 

يستطرد: "اِنسحب جيش الإنقاذ بعد وقت من بدء المعارك، وعندها هجم الصهاينة على القرى والبلدات الفلسطينية. في اليوم الذي خرجنا فيه من بيوتنا كان الطقس ممطرًا، في 10 أيار 1948. حينها صارت الوالدة تجرنا خلفها، لكنها لم تستطع أن تأخذنا كلنا، فكانت تأخذ بعضنا وتخبئنا بين أشجار الزيتون ثم تعود إلى البيت وتحضر من تبقى فيه من إخوتي".

ويخبر فؤاد أيضًا أنه عندما خرجوا أخذوا المواشي معهم، "توجهنا أولًا نحو قرية بيت جن في الجليل الأعلى، وهي قرية تسكنها غالبية درزية. كان والدي حينها يحمل بارودة وممتطيًا فرسه. بعد وصولنا إلى هناك صار الدروز يلاحقون إخوتي الذين يكبرونني بالسن عندما يسرحون بالمواشي، يريدون سرقتها، فرآهم والدي فأطلق النار عليهم، ففروا".

بعد ذلك تركت العائلة ذلك المكان وتوجهت نحو الجنوب اللبناني إلى منطقة بنت جبيل مكثت هناك أسبوعًا، ثم توجهت إلى صيدا وسكنت في الشوادر وعاشت حياة صعبة جدًّا، كما يروي فؤاد.

وعن مرارة اللجوء، يمضي إلى القول: "عندما سكنا في الشوادر عشنا مرارة الحياة بكل تفاصيلها، فبعد أن كانت لنا أرزاقنا وأرضنا راح منا كل شيء وعشنا حياة ذل ومهانة. عملنا بالزراعة حتى نستطيع أن نؤمن قوت يومنا. وكنا نعيش حياتنا يومًا بيوم، لا نستطيع أن نوفر ولا نستطيع ألا نذهب إلى العمل".

بعد ذلك انتقلت عائلة فؤاد للعيش في منطقة السّكة في صيدا، عند دوار العربي، وقد كان عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين يعيش هناك. كانت البيوت من "الزينكو" (ألواح الصفيح) بمعظمها، حتى أن معظم حوائطها منها. 

ويوضح أنه وبعد مرور زمن على وجودهم في تلك المنطقة، "جاءنا صاحب الأرض التي كنا قد بنينا بيوتنا عليها وطلب منا أن نخليها، فأعطانا تعويضات عن ذلك، وكان المبلغ الذي دفعه لنا تبلغ قيمته خمسة آلاف دولار أميركي، أخذناها ثم انتقلنا للعيش في مخيم عين الحلوة، بنينا بيتنا وسكنا فيه، وكان هذا منذ حوالي خمس عشرة سنة تقريبًا".

تزوج فؤاد وهو في الثلاثة والعشرين من عمره، وأنجب اثني عشر ولدًا. وقد امتهن نجارة الباطون ليستطيع العيش ويعيل أسرته، لكن العمل في هذه الحرفة متعب جدًا، ففي أيام الشتاء ينعدم العمل، "كانت تلك الأيام يأتي شتاؤها قاسيًا، تتسرب إلينا الأمطار فيغرق المكان بالمياه حتى الأغطية وملابسنا، كنا نشعر ببرد شديد حينها، فأولادي ما زالوا صغارًا".

وعن عمله: "كنت أضطر مرات لأسابيع إلى عدم الذهاب للعمل، وعليه فكنّا نبقى دون مدخول مادي، فاضطررت للبحث عن عملٍ آخر حتى وجدت عملًا عند المحافظ، لكن بعد ذلك عدت لعملي الأساسي نجار باطون".

لا يزال فؤاد يسكن بيت الصفيح في منطقة السكة، ولا تزال أيام الشتاء صعبة، أما فلسطين فلا تزال العودة إليها أمنية يتمنى أن يعيشها، إذ يقول: "ليتنا نعود إلى فلسطين ونموت في تلك الأرض المقدسة، آن لنا أن نرتاح بعد رحلة عمر مريرة وصعبة، تركت بيتي وبلدي صغيرًا، كبرت وعشت عمري متعبًا من مرارة العيش واللجوء".