في زنزانة مغلقة يقبع الأسير المريض خالد أبو الهنود (48 عاماً) يقاسي آلام المرض و"مرارة الوحدة"، يعُد الأيام والسنين حتى يطرق باب زنزانته شقيقه زائراً، فيسأله عن قريته "عصيرة الشمالية" حجراً حجراً وشارعاً شارعاً، لا يقوى على الإدراك أنّ "الدنيا" في الخارج لم تعدْ كما تركها قبل تسعة عشراً عاماً خلت..
فالأسير أبو الهنود أصيب في عام 2000م برصاص الاحتلال في أثناء مشاركته في مسيرة شعبية في مدينته نابلس، برصاص في الظهر والبطن أدخله المشفى في حالة بالغة الخطورة، يقول شقيقه الأكبر مهيوب: "كان أخي بين الحياة والموت فقد قطع الرصاص أوتاراً من العمود الفقري ما أدى لشلل دائم في رجله اليمنى، فيما أدى الرصاص في بطنه لاستئصال جزء من أمعائه ومعدته".
هذه الإصابة لم تشفع له لدى قوات الاحتلال العنصرية والتي ظلت تطارده لعامٍ ونصف العام بعد أنْ تحسن وضعه الصحي إلى أن تمكنت قوات الاحتلال الخاصة من اعتقاله في العشرين من نوفمبر لعام 2003م، ليُحكم عليه بالمؤبد "مدى الحياة".
يتنهد مهيوب قائلاً: "كنتُ أفضل أن يستشهد شقيقي على أنْ يعيش هذه الحياة البائسة بين جدران السجون التي سرقت ما يقارب العشرين عاماً من عمره، فوضعه الصحي في غاية السوء ما يزيد ألم السجن عليه".
ومنذ اعتُقل خالد دخل في "متاهة الإهمال الطبي" التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق كل الأسرى خاصة المرضى منهم، "فقد مرت تسعة عشر عاماً دون أنْ يجروا له عملية جراحية ملحة، تتمثل في إزالة الشظايا المستقرة في جسمه بالقرب من النخاع الشوكي، هم يدعون خشيتهم عليه من الإصابة بالشلل التام، حال فشلها، لكن الحقيقة أن فرص نجاحها كبيرة، لكنهم لا يريدون أن يجروها له".
و"لم يكتفوا بذلك بل أنزلوا بحقه حكماً جائراً كبيراً على إنسان مصاب مثله، حاولت كثيراً أنْ أدخل له طبيب على نفقتي الشخصية لأطمئن على وضعه الصحي لكن دون جدوى"، يضيف أبو هنود.
دون عناية طبية
ويؤكد أنه غير مطمئن البتة لمعاملتهم الطبية للأسرى، "فشقيقي من المفترض أنْ يظل تحت رعاية طبية طوال اليوم، فكيف يمكن له أن يعيش دون أي عناية طبية طوال هذا الوقت؟ فأنا أسير سابق وأعرف أن كل ما يعطونه من علاج هو "حبة أكامول"".
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إنّ الأسير أبو هنود محروم من الزيارة، لكون والدته توفيت بعد أسره بعدة أشهر، فيما يقيم والده وشقيقه "أحمد" في الخارج، " وكوني أنا الوحيد بالضفة القريب له من الدرجة الأولى فإنهم يمنحونني تصريحاً للزيارة كل ثلاث أو أربع سنوات فقط!".
وفوق كل ذلك – وفق أبو هنود- يتلاعبون بـ"تصريح الزيارة" فقد لجؤوا فترة لمنح "تصريح زيارة " لشقيقي أحمد وهو مقيم في كندا لا يستطيع زيارتهم، ما اضطر" مهيوب" لرفع قضية على حكومة الاحتلال لإعادة تصريح الزيارة له، وهكذا دواليك ففترة يمنحون وأخرى يمنعون.
الزيارة على فترات متباعدة تحرم "خالد" من وصول الحاجيات التي تنقصه داخل محسبه بشكل دوري، "لذلك يخبرنا أهالي الأسرى الآخرين قبل فترة بمواعيد زياراتهم لأبنائهم، وبما يحتاج إليه خالد من ملابس، فكل فترة أذهب إلى رام الله أو الخليل أو غيرها من المدن الفلسطينية لأوصل له ملابس مع أهالي زملائه الأسرى".
ويشير إلى أن خالد يحتاج لجهاز طبي لرجله اليمنى "يتم تجديده كل فترة" ليتمكن من الحركة، ويقوم مهيوب بدفع مبلغ من المال لإدارة سجون الاحتلال كي يفصلوا له جهازاً جديداً، حيث لا تقدم تلك الإدارة العنصرية أي عناية طبية على نفقتها.
يقول: "عندما ألتقي بخالد بين الفينة والأخرى أشعر بسوء الحالة الصحية التي يعانيها، لكن الأخير يكابر على وجعه ويظل مصمماً أنه بخير، رغم أن هيئته لا توحي بذلك".

