فلسطين أون لاين

لاجئو أوكرانيا يفتحون جرح اللاجئين الفلسطينيين

هذا اللجوء المرعب لمئات آلاف اللاجئين الأوكرانيين يذكرنا نحن الشعب الفلسطيني خاصة، والشعوب العربية عامة بنكبة 1948، حين اغتصبت العصابات اليهودية أرض فلسطين، وطردت مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وإلى دول الشتات، مع الانتباه إلى فارق اللجوء في الحالتين؛ فالاحتلال الروسي لأوكرانيا لا يطمع باغتصاب الأرض، ولم يطرد السكان بالقوة، وبشكل متعمد، الاحتلال الروسي فتح ممرات آمنة لخروج المدنيين، حرصاً على حياتهم، وتفادياً لأي أذى يصيبهم، ولم يطردهم بالذبح والموت.

العدو الإسرائيلي كان وما زال يتعمد طرد الفلسطينيين من بيوتهم، العدو الإسرائيلي تعمد ذبح الفلسطينيين، واقتراف المجازر بحق المدنيين، وإشعال الحرائق في حقولهم، والهدف هو الاستيلاء على بيوتهم وقراهم ومدنهم، والاستيلاء على الأرض خالية من السكان، وهذا ما لا تسعى إليه روسيا، التي ستعمل على إعادة إعمار أوكرانيا، بعد توقف القتال، وبعد إسقاط نظام الحكم الذي يحرض الغرب ضد روسيا، ويتآمر مع أعداء الشعب الروسي لنشر الصواريخ النووية على حدود البلاد الشرقية.

اللاجئون من أوكرانيا يتم استقبالهم في مراكز الاستيعاب في بولندا ورمانيا وسلوفاكيا، مراكز الاستيعاب تمسح دموع اللاجئين، وتوفر لهم كل مقومات الحياة، وهي أماكن آمنة، بحيث لا يشعر اللاجئ الأوكراني لا بالجوع، ولا بالخوف، وهذا ما لم يتحقق للاجئين الفلسطينيين؛ الذين لم يجدوا من يواسي مصائبهم، والطائرات الإسرائيلية تطاردهم، والمدرعات الإسرائيلية تدوس على كيانهم، والقذائف الإسرائيلية تمزق شملهم، حتى في أماكن اللجوء، حيث لم يجد اللاجئون الفلسطينيون إلا سوافي الرمل الجرداء في قطاع غزة، والصخور الصماء في الضفة الغربية، ولم يعثروا إلا على التشرد والضياع في بقية مناطق اللجوء.

اللاجئون الأوكرانيون تركوا متاعهم وبيوتهم وأغراضهم على حالها، فهم واثقون أنهم سيرجعون إليها، فروسيا لا تطمع بثلاجة الأوكراني، ولا ببيته، ولا بسيارته، ولا بمصنعه، بينما العصابات اليهودية كان تحرص على طرد الفلسطيني بجسده، دون أن تعطيه الفرصة لحمل أمتعته، والرحيل بها، اللاجئون الفلسطينيون تركوا متاعهم، ولم يسترجعوها منذ نكبة 1948، وحتى يومنا هذا، لقد صارت المقتنيات الفلسطينية المتروكة من ذهب وفضة ومال وبنوك وعفش بيت، لقد صارت ملكاً للدولة الإسرائيلية التي قامت على أنقاض الفلسطينيين.

اللاجئون الأوكرانيون سيرجعون إلى بيوتهم ووطنهم بعد أيام وأسابيع، فمن خلفهم يقف الاتحاد الأوروبي، الذي لن يتركهم في العراء، رغم أنهم لم يخسروا من وطنهم إلا نظام الحكم، الذي زج بهم في معركة غير عادلة بين مصالح الشرق والغرب، بينما اللاجئون الفلسطينيون ما زالوا ينتظرون على سياج فلسطين منذ 74 عاماً، ولم يجدوا دولة أوروبية واحدة تطالب بعودتهم إلى ديارهم، أو رفع الظلم عنهم، ولم تجد حلفاً للناتو يناصرهم، ويتحسس معاناتهم.

اللاجئون الأوكرانيون يعيشون نكبة الهروب من الحرب، ونكبة الخروج من البيت، ونكبة قطع المسافة المرعبة بين ساحة المعارك والحدود، ثم الانتظار على بوابة اللجوء، ومع كل هذه النكبات والأنين والوجع الذي يستدر العواطف الإنسانية، إلا أن ما تعرض له اللاجئون الفلسطينيون من نكبة اللجوء والمطاردة أضعاف ما يتعرض له اللاجئ الأوكراني.

مأساة فلسطين لم تقف عند حدود نكبة 1948، مأساة فلسطين تتمثل في مخططات عدوهم الإسرائيلي الذي لن يتوقف عن التآمر ضدهم، حتى يومنا هذا، فالعدو الإسرائيلي يخطط لاستثمار حالة الفوضى، ليحاكي ما جرى من تشريد لمئات آلاف الأوكرانيين، العدو الإسرائيلي يخطط لطرد ما تبقى من الفلسطينيين، ليقيم دولته اليهودية والنقية من العرب.