الاصطفاف مع منتخبات الدول في دوري عالمي لكرة القدم يعتمد على عوامل كثيرة، أحدها الموقف السياسي لتلك الدول، وهنا تتدخّل السياسة لترسم جماهير هذه المنتخبات رغم أن هناك من الناس من لا تعنيهم السياسة لا من بعيد ولا من قريب، وقد تلعب العاطفة دورها ووجود لاعبين لهم شهرة وحضور في الوسط الكروي وكذلك المبادئ والأفكار ونهج تلك الدول في مراعاة حقوق الإنسان وتحقيق العدالة وبعدها عن ظلم الآخرين وانتشار الفساد وآخر ما ينظر فيه الاحتراف وروعة وجمالية الأداء، إلخ.
الحرب الدائرة اليوم بين روسيا وأوكرانيا ليست كرة قدم، إذ إنها قد تتدحرج وتتحوّل الكرة إلى كرات نووية تفني ملايين البشر، وتداعياتها ستكون عالمية إيجابًا وسلبًا، لذلك فإنه بناء المواقف لا ينبغي أن يكون عاطفيًّا رغم أهمية العاطفة والمشاعر الإنسانية النبيلة، تبقى جزء هاما من المعادلة ولكنها ليست كلّ المعادلة قطعا. وكذلك عالم الأفكار والمبادئ الإنسانية تلعب دورًا كبيرًا ولكنها أيضًا ليست كل المعادلة، ما المعادلة إذا؟ وكيف يجري اتخاذ الموقف الصحيح الذي لن نندم عليه مهما كانت النتائج.
دولة الاحتلال في حيرة من أمرها إذ لها مصالحها عند الطرفين وهي محسوبة سياسيا على الغرب الداعم لأوكرانيا فهي تمارس الاحتلال وضد احتلال روسيا لأوكرانيا ويبدو أن مصالحها في الثانية أكثر من الأولى، كذلك فإنها ليست في بدعة من أمرها حيث تغيب الأخلاق والمبادئ الإنسانية، كلّ شيء يغيب أمام مصالحها السوداء وهي مستعدة لأن تأكل بثدييها ولا غضاضة في هذا أبدًا.
الدول العربية المحسوبة على الفلك الأمريكي لا مشكلة عندها ولا حاجة، لأن تعمل فكرها فالعم سام يفكر عنها ويريها ما يرى، وهناك من تطبّع مع الاحتلال الإسرائيلي وفي ذات الوقت ضد روسيا باعتبارها لها احتلال لأوكرانيا، قلنا إن هذه الحرب ليست مباراة كرة قدم، ولكن الطريقة التي تنحاز بها هذه الدول أسوأ من طريقة انحياز المرء لفريق كرة قدم.
سنجد أن المعادلة عميقة وأن المطلوب حسبة المسألة في منتهى الدقة والاحترافية السياسية، ولا بدّ لهذه من الوقوف على الدوافع الحقيقية لهذه الحرب ووضع المسألة في سياقها الأممي والصراع القائم مع حلف الناتو بقيادة العدوّ الأكبر والألعن في العالم وهو الولايات المتحدة الأمريكية، وما تقوم به من سياسات عدوانية متوحشّة بدعم لا محدود لقوى متغطرسة وتمارس العدوان ليل نهار على شعوب مستضعفة وقعت فريسة بين أنيابها كما هو الحال في الدعم اللا متناهٍ لدولة الاحتلال الصهيوني.
نعم لا يمكن فصل المسألة ما بين هذا الدعم الأمريكي والغربي لدولة الاحتلال الصهيوني منذ ما يزيد عن سبعة عقود متتالية وبين هذه الحرب التي تنادي هذه الدول منذ لحظتها الأولى بنبذ الاحتلال. أين أنتم من الاحتلال الصهيوني لفلسطين؟! كم دفعتم وكم آزرتم وكم قرار فيتو وقفتم به في مجلس الأمن دعمًا للاحتلال ووقوفًا في وجه إدانة العدوان؟
الآن صرتم دعاة حق وعدالة ودعاة خير وسلام؟ أنتم لا تعرفون سوى مصالحكم الجشعة والمائلة كلّ الميل مع القوة الظالمة والمعتدية، لذلك فإن الشعوب الحرّة تحسم أمرها بكل قوة ووضوح: أين ما كنتم فإنها تقف في المكان النقيض لمواقفكم لأنكم تحسبونها جيّدا بأن تكونوا مع الباطل.