كلما اشتاقت الستينية وهيبة مسعود "أم غريب" لأبنائها؛ الشهيدين وليد وحسين والأسير يوسف تشتم شذا ملابسهم لتخفف عن نفسها من لوعة الفراق والبعد.
وتحتفظ "أم غريب" بقطعة ملابس لنجلها وليد الذي ارتقى أثناء أسر الضابط الإسرائيلي هدار غولدن شرق رفح في 1 أغسطس/ آب 2014، خلال العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة، إذ تم فقدان جثمانه إلى الآن.
وكشف تحقيق استقصائي لقناة الجزيرة الفضائية بثته في 28 أغسطس 2015 جزءا من تفاصيل عملية أسر "غولدن" التي عرفت باسم "كمين أبو الروس" شرق رفح، وأظهر مشاركة "وليد" في العملية، كما كشف عن سحب الاحتلال جثته ظنا منه أنها جثة الضابط الإسرائيلي.
وقالت "أم غريب" في حديثها لصحيفة "فلسطين" إنها تأمل تمكن المقاومة من إنجاز صفقة تبادل مشرفة يتحرر فيها ابنها يوسف لتعانقه، وجثمان وليد لتلقي نظرة الوداع عليه وتشعر بقربه منها.
وعند بدء حديثها عن نجلها وليد أمسكت بقميصه وضمته إليها وقالت: "رائحته فيه رغم مرور سبع سنوات ونصف على استشهاده"، مستذكرة: "كان عندما يراني أبكي على فراق شقيقه الأسير يوسف، يقول لي: اصبري يا أمي، والله لنبادلنهم ليس بجندي ولكن بضابط إن شاء الله".
وأضافت أن وليد كان هدفه من التحاقه بركب الجهاد والمقاومة تحرير القدس والأسرى "فحينما كان يرى مشاهد المجازر في حي الشجاعية كان يغضب بشدة ويدعو الله أن يمكنه من رقاب جنود الاحتلال".
وتستذكر أن نجلها وليد طلب الزواج قبل استشهاده بثلاثة أشهر واختار مواصفات خاصة بعروسه أن تكون ملتزمة وحافظة للقرآن، لكنه بعد أيام طلب منها نسيان موضوع الزواج، وترك ورقة مكتوب فيها "إن أمكن ادفنوني قرب ضريح أخي حسين".
وعن يوم استشهاده، قالت "أم غريب": "فرحت كثيرا عندما علمت أنه استشهد في عملية مشرفة، وحقق الله له حلمه"، معبرة عن فخرها باستشهاده وشقيقه رغم لحظات الفراق الصعبة.
وتَمَنَّت تحرير جميع الأسرى خاصة أصحاب الأحكام العالية، مطالبة بـ"تحرير جثة وليد لتوديعه وملامسة جسده الطاهر واحتضانه ودفنه بجانبنا لأشعر أنه بقربي".
أما نجلها حسين، فاستشهد في مهمة إنقاذ شهداء كتائب القسام في حادثة النفق شرق محافظة غزة في 20 يونيو/ حزيران 2014، ورحل عن الدنيا وهو على رأس عمله يؤدي واجبه في جهاز الدفاع المدني، تستذكره كشقيقه الشهيد وليد وتحتسبه شهيدا مقاوما مُقدمًا.
زيارات العذاب
كما تحتفظ "أم غريب" بقميص لنجلها يوسف المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تجلبه وتشتم رائحته كلما اشتاقت إليه.
ويقبع يوسف في الأسر منذ 5 ديسمبر/ كانون الأول 2003، بعدما اعتقله جيش الاحتلال على حاجز "أبو هولي" العسكري وسط قطاع غزة آنذاك، وحُكم عليه بالسجن 19 عاما ونصف بتهمة حفر أنفاق وزرع عبوات ناسفة.
وأوضحت أنها لم تزُر ابنها يوسف منذ عدوان الاحتلال عام 2014 على غزة، مردفة: "في الزيارات السابقة له كنا نجد معاناة شديدة وإذلالا من إجراءات الاحتلال المتعمدة، لذلك قررت عدم الزيارة سيما أنني وزوجي كبرنا في السن ولا نحتمل عذابات ذلك".
وأضافت أنه بعد اعتقاله بـ10 سنوات سمحت لنا إدارة سجون الاحتلال بملامسة يوسف واحتضانه، مشيرة أنه في معظم الزيارات لم تلمسه، بل كانت تراه عبر لوح زجاجي وتحدثه عبر هاتف دقائق معدودة.
وتابعت أن لحظات الفراق والبعد صعبة جدا، لكن رفعة الوطن والدين تحتاج إلى التضحية والصبر، لافتة إلى أن يوسف قبيل اعتقاله لم يكمل تعليمه للوقوف إلى جانب والده في عمله، لكنه في سجنه أكمل تعليمه وحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية.