فلسطين أون لاين

ذكرى الإسراء والمعراج تعيد الاعتبار لمشروع المقاومة

لذكرى الإسراء والمعراج في فلسطين مذاق خاص، تتمحور بعين ترى الذكرى شاخصة حيّة تضيء سماء فلسطين وتشعل الروح عنفوانا وثورة، وعين ترى القدس ماضيا وحاضرا ومستقبلا، تستمد من معين الذكرى ما يرفع الهامات عالية وما يصبّ الزيت في وقود إرادة حرّة متحفّزة لا تفتر ولا تلين، ويعانق الفلسطيني الذكرى عشقا وشوقا للقدس فيتحرك: ما استقر في القلب من قدسية واعتقاد دينيّ راسخ، فيلتهب الأمل وتشرق شمس الحريّة التي تبدد ظلمات الاحتلال وتخترق كلّ حجبه السوداء، عندما تأتي الذكرى تتجدّد كل معاني الثورة فلا يرى الاحتلال وكل مفترياته في القدس، يراها لا محالة زائلة وهي مجرّد ذباب عابر لا ثبات له ولا قرار، ستلفظه القدس كما لفظت غيره وعاجلا غير آجل البتّة.

ولا يحتفل الفلسطيني بهذه الذكرى العظيمة كما يحتفل غيره من الناس، بل يعرج عاليا في سماء وطن مسلوب، ليكتب هناك في صفحات المجد أنّه لم يهن ولم يضعف ولم يتراجع عن حقّه قيد أنملة، يكتب أن عهده في هذه الحياة عهد مقدّس وقد استمدّ قدسيته من القدس العظيمة ذات الشأن العظيم في قلبه وصدره، لم يبدّل أيّ تبديل عهده مع الشهداء الذين استشهدوا دفاعا عن القدس، ما زال على حاله وما زال مستعدا ليروي ثرى القدس من دمائه دون أيّ تردد.

ويعزّز الفلسطيني في عميق قلبه أن من ربط بين المسجدين: الحرام والاقصى لم يكن نصّا عاديا أو بشريّا أو نصّا لهيئة أممية بل هم النص القرآني المحكم الذي لا يأتيه باطل مهما دنى أو عظم بل هو الحق المطلق الذي أراده الله، فلا مجال للمساومة أو مجرّد المحاولة لزعزعة هذا الراسخ في القلوب رسوخ الجبال الراسية، فقط تأتي الذكرى لتعزّز المعزّز وتؤكد المؤكد، بما يبني على ذلك فعلا وسلوكا، انتفاضة وثورة واصرارا على النصر القادم بإذن الله.  

ولا تمرّ الذكرى على الفلسطيني مرور الكرام ولا مرور اللئام، بل هي الذكرى المتوهجة والفاعلة والمشعلة للروح حيوية وثورة وإرادة قوية مستنفرة، ولا تقف على اعتاب اثبات حقّ نظريّ بل هي الروح للجسد، تسري في العروق في دورة يضخها القلب لتصل ذروتها عنفوانا ومقاومة ورفضا للمحتل وكلّ قوى الاستكبار العالمي المقيتة.

تأتي الذكرى لتصنع انحيازا تامّا للمشروع المشتبك والمستنزف لمشروع الاحتلال والباطل، تدفع بقوّة وتثبّت الاقدام في خنادق المواجهة والاشتباك بكلّ أوجه الصراع، العسكري والسياسي والثقافي والتربوي والاجتماعي والاقتصادي، تضعنا الذكرى في الصفّ المقاوم دون أيّ تردّد أو تلكؤ وتوقظ من ظنّ ولو لوهلة واحدة أنّ ثمة خير سيؤخذ من أفواه الضباع بذكاء مفاوض أو كياسة سياسيّ محنّك ضاع في متاهات شباك أخبث خلق الله.

اقترح ان نوجّه التفاعل مع هذه الذكرى العظيمة بتمكينها أن تفعل كلّ فعلها في نفوسنا وحياتنا، بالضبط كما أرادها اللطيف الخبير بطبيعة هذه النفوس البشرية، هي تثبيت حق وبرنامج عمل وقواعد اشتباك قادرة على " تنكيد عيشته للمحتلّ"، هناك فرق بين احتلال يدفع ثمنا باهظا لجريمة الاحتلال واحتلال يدفع ثمنا محتملا واحتلال يعيش عيشة هنيّة، فكلّ احتلال أو استعمار يريد زراعة قابلية الاستعمار والاستحمار في الشعوب المحتلّة ليكون له بمثابة مزرعة للأيدي العاملة الرخيصة وليمضي قدما في برنامجه وحياته الرغيدة دون أيّ خسارة تذكر.

وهنا تأتي الذكرى بصورة عملية لتصنع الفعل ولتعمل على قواعد اشتباك تشكّل نقيضا لبرنامج المحتلّ، فهناك اشتباك ثقافي مثلا لا بدّ فيه من أن تنتصر ثقافة المقاومة وتعلو رايتها على أية ثقافة هزيلة مستسلمة تفتّ العضد وتوهن العزائم. وهناك اشتباك سياسي كذلك يضرب الرؤية السياسية للمحتل من جذورها، وهناك اشتباك في السوق والاقتصاد تقوم على مقاطعة بضائعه والتحرر من آصار وأغلال اتفاقية باريس المدمّرة ما استطعنا لذلك سبيلا، فلا يعقل ان نحتفل بالإسراء والمعراج وبيوتنا تعجّ بالمنتجات الإسرائيلية، باختصار هناك الكثير من قواعد الانسجام وراحة بال المحتلّ لا بدّ من قلبها لتكون قواعد اشتباك وبما يؤدي أيضا لتوسيعها لتشمل كلّ شيء ولتشكّل عملا تصاعديا يصل بنا الى أن نكون النقيض التام لهذا المحتلّ الذي يتناقض وجوده في حياتنا مع فكرة الإسراء والمعراج العظيمة.