سبعة وثلاثون عامًا وجدران السجن تأكل من صحة عميد أسرى الخليل محمد الطوس دون أن يلوح في الأفق بادرة للإفراج عنه، في ظل رفض الاحتلال الإسرائيلي لذلك، ما يجعل القلق يساور أبناءه بخصوص وضع أبيهم الصحي بسبب إهمال الاحتلال الطبي المتعمد لهم.
يعاني الأسير الطوس (65 عامًا) آلامًا متعددة سببها له كبر السن، ويقاسي كغيره من الأسرى المرضى بسبب الإهمال الطبي المتعمد، إذ يؤكد ابنه الأكبر شادي أن الاحتلال لا يولي أي اهتمام لصحة الأسرى المرضى في السجون ومنهم والده.
وبفعل جدران السجن والظروف الاعتقالية الصعبة تآكلت صحة الطوس شيئًا فشيئًا، حتى فقد البصر في عينه اليمني ويعاني أكياسًا على الكلى ومشكلات مزمنة في المعدة، دون أنْ يتلقى العلاج المناسب، في حين ترفض سلطات الاحتلال إجراء عملية جراحية له في الكتف.
وما يثير مخاوف شادي الذي قارب العقد الرابع من عمره أن يزداد الوضع الصحي لأبيه سوءًا، "أبي يحلم بالحرية، يحلم باحتضاننا بعد أنْ تركنا ونحن صغار، فقد كان عمري عامين وعمر شقيقتي فداء عامًا واحدًا، في حين كانت والدتي رحمها الله حاملًا بشقيقي ثائر حينما اعتقلته قوات الاحتلال ضمن مجموعة فدائية مكونة من خمسة أشخاص استشهدوا على حين اعتُقِل هو وحكم عليه بالمؤبد مدى الحياة".
السؤال عن الأحفاد
الأسير الطوس يسأل ابنه شادي الوحيد الذي يقوم بزيارته حاليًّا -بعد وفاة زوجته في عام 2015م- عن "الدنيا" في الخارج، "عن الأشجار، الطبيعة، الأرض، الجبال، وكل معالم الضفة الغربية والخليل التي ما زالت ترتسم في ذاكرته ما قبل الاعتقال، يتوق والدي للحرية والتجول في أرجاء الضفة المحتلة، يسألني عن أحفاده الأحد عشر، ملامحهم، ماذا يحبون، يخبرني بشوقه لاحتضانهم".
وبعد وفاة زوجة الطوس زاد توقه للحرية ليكون بجانب أبنائه، "فهو كان مطمئنًا علينا طالما كانت والدتي على قيد الحياة، فقد اعتنتْ بنا وربتنا وزوجتنا، وكانت تحاول تعويضنا عن حنان الأب، رغم أن ذلك لم يكن من السهل بمكان، فالعيش دون أب أمرٌ في غاية الصعوبة، لكنه اليوم يشعر بالقلق علينا، يريد أنْ يكون بجوارنا".
سني الاعتقال الطويلة لم تكن أبدًا بالسهلة على الأسير الطوس، فقد غيب الموت أغلب المقربين والأصدقاء خاصة والده وزوجته وشقيقه، "بجانب تلاعب الاحتلال بتصاريح الزيارة التي يمنحها لعائلته أحيانًا ويحرمهم أحيانًا أخرى لينغص حياة الأسير الطوس وأبنائه، في حين يحرمه أحفاده بشكل قطعي من زيارته"، وفقًا لشادي.
لماذا تركتمونا وحدنا؟!
الأسير الطوس من الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل توقيع اتفاق "أوسلو"، وهو ثالث أقدم أسير في سجون الاحتلال، ورفضت سلطات الاحتلال الإفراج عنه في جميع صفقات التبادل والإفراجات التي تمت على مدار سنوات اعتقاله.
يلجأ الأسير الطوس لقضاء وقته بالمطالعة وتأليف الكتب علها تخفف عنه دقائق السجن التي تمر ثقيلة عليه، كما يخبر شادي، وقد أصدر مؤخرًا كتابه الأول "عين الجبل" الذي يتحدث عن معاناة الحركة الأسيرة مع سلطات الاحتلال في حين يعكف على تأليف كتاب آخر من المفترض أنْ يخرج للنور قريبًا".
كشف الطوس في كتابه عن تفاصيل عمل الخلية الفدائية "جبل الخليل"، التي كان عضوًا مهمًّا فيها، والتي نفذت عمليات ضد الاحتلال على مدار 3 سنوات، إلى أن تم استهداف أفرادها جميعًا عام 1985، وهم: علي خلايلة، ومحمد نفيعات، ومحمود النجار، ومحمد عدوان، وكانت المعجزة -كما يصفها في كتابه- أنه خامسهم، وكان أصيب بجروح بليغة، واعتقد الجميع أنه استشهد، حتى أن أهله فتحوا بيت عزاء له، ولكن تبين أنه مصاب وتعافى مع سنوات اعتقاله الطويلة.
حكا الطوس في كتابه عن مطاردة الفدائيين الفلسطينيين في الجبال والكهوف، وعن العمل الفدائي في تلك الحقبة الزمنية، وأشار في كتابه إلى أنه لم يتم الإفراج عنه نهائيًّا في أي مفاوضات أو صفقات، ورغم ذلك يوضح أنه لم ييْئَس، وتحمَّل كثيرًا من الألم، خاصة بعد هدم منزله 3 مرات بعد اعتقاله وأطفاله كانوا صغارًا، وبعد وفاة زوجته وهي تنتظر الإفراج عنه.
وفي الكتاب كثير من الكبرياء والشجاعة والإرادة، وقدم كثيرًا من الأفكار النقدية كأنه يقول "لماذا تركتمونا كل هذا الزمن في السجون وحدنا؟".
وإهمال الاحتلال للأسرى المرضى كما يحدث حاليًّا مع الأسير المصاب بالسرطان ناصر أبو حميد، واستشهاد عدد من الأسرى بسبب هذا الإهمال يجعل عائلة الطوس في حالة ترقب لما قد يحدث مع الأسير الطوس ويثير لديهم مخاوف جسيمة على حياته.