فلسطين أون لاين

"تلك الليلة بداية لحياة مأساوية سأعيشها وعائلتي"

تقرير عائلة شقيرات.. أن تهدم منزلك كأن تدفن ابنك حيًّا!

...
هدم منزل عائلة شقيرات في القدس
القدس المحتلة-غزة/ هدى الدلو:

منذ عشرة أعوام تعيش عائلة شقيرات في مخاوف وحالة نفسية صعبة ورعب لا يفارقها ليل نهار، وكأنها كوابيس مرعبة خوفًا من مباغتة ضباع الغاب لبيتهم في أي لحظة، حتى في حال أرادوا الخروج من البيت تجتاحهم الهواجس بأن يعودوا إلى البيت ويجدوا جنود الاحتلال الإسرائيلي بداخله.

في اليوم الأخير من شهر يناير/ كانون الثاني الماضي أصدرت محكمة الاحتلال التي عقدت الساعة العاشرة صباحًا من اليوم ذاته قرارًا بهدم منزل عائلة داود شقيرات وشقيقه في قرية جبل المكبر جنوب شرق القدس، على أن يتم التنفيذ في اليوم التالي صباحًا بشكل ذاتي، وإلا سيتم تنفيذ القرار من قبل بلدية الاحتلال وفرض عليهم غرامة مالية قدرها 80 ألف شيقل.

شقيرات الذي يبلغ من العمر (48 عامًا) عامل يعيل خمسة أفراد، لا يغيب عن باله ذلك اليوم الذي غرس فيه أساسات البناء في الأرض عام 2012، باع كل "ما فوقه وتحته"، كما يخبر، لأجل أن يعيش حياة مستقرة، فكلفه البناء أكثر من نصف مليون شيقل.

وقد شرد الاحتلال بقرار الهدم القسري ليس عائلة داود فحسب بل أيضًا أسرة شقيقه البالغ عددها 7 أفراد، بينهم 5 أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 أشهر و7 سنوات .

يقول لصحيفة "فلسطين": "منذ ذلك اليوم ونحن نطالب بالحصول على الترخيص والاحتلال يتحجج في إصداره ويتمنع أحيانًا بزعم أنها أرض خضراء أي زراعية يمنع البناء عليها حسب ادعائه، ولكنه يسعى إلى تهجيرنا من القدس وتفريغها من سكانها الأصليين".

أقل من 24 ساعة أمهلهم الاحتلال لتنفيذ القرار، تتساءل زوجته: "ماذا بوسعنا أن نفعل في تلك المدة القصيرة؟ أمهد لصغاري وأخبرهم بإخلاء المنزل بسبب سطوة الاحتلال وجبروته وأجيب عن تساؤلاتهم التي تنطق بها أعينهم قبل أفواههم، أو ألملم ذكرياتي من زوايا البيت، أو الأغراض والمقتنيات؟ للأسف، لم يكن بوسعي إلا أخذ الأشياء الضرورية فقط".

تتحدث بأنهم منذ ما يقارب عشرين عامًا يدخرون المال ويحرمون أنفسهم وصغارهم لأجل بناء البيت، "فقد مرت بنا ظروف صعبة لأجل بنائه، ليتم هدمه بغمضة عين، وإصدار قرار منهم دون أي شعور".

أما ابنتها "حلا" التي لم يتجاوز عمرها (12 عامًا) فقد أبكت أعين والديها بسؤالها الذي وجهته لوالدها، بعد أن قالت لهما "أصبحنا مشردين، الآن وين بدنا نسير ننام؟ في الشارع في ظل البرد"، حاولت أمها تهدئتها، فهو الشيء الوحيد الذي استطاعت فعله بعد أن لُجم لسانهما عن الإجابة.

تركا المجال أمام أبنائهما لأخذ ما يحلو لهم من البيت قبل مغادرته، فحمل كل واحد منهم ألعابه الخاصة وأدواته المدرسية.

وتضيف زوجته بصوت مختنق وباكٍ: "قبل مغادرتي البيت تجولت فيه، لأستعيد ذكرياتي مع عائلتي، خرجت منه وعيني تنظر إلى برواز معلق على الحائط يحمل صورة لابني وهو صغير، وطِئت قدمي خارج عتبة البيت فشعرت كأنني دفنت أحد أبنائي".

فكل حجر في البيت بني بتعب وشقاء، حتى أنه لا يزال لذلك اليوم عليهم سداد ديون ودفع مخالفات عليه، "لا شيء أمامي سوى قول حسبي الله ونعم الوكيل، نجلس على ركام البيت بدون مأوى ليخلو لهم المكان لتنفيذ مخططاتهم وبناء مستوطناتهم اليهودية".

يقول داود: "كانت تلك الليلة بداية لحياة مأساوية سأعيشها وعائلتي، كان الليل طويلًا، الصغار يبكون من البرد فلا شيء يحميهم من قساوة البرد والمحتل".

وما يزيد من وجع مصيبته هو إجبارهم على هدم البيت بأيدهم ذاتيا وقسريا، معبرًا عن ذلك بأنه "إجراء ظالم وعنصري، لا يُبقي لنا ذكريات أو أي شيء سوى ركام البيت وفرج الله، ومع ذلك سنتمسك بأرضنا ولن نتنازل عنها".