فلسطين أون لاين

الإهمال الوطني

نعم لعلها دوما كلمة الإهمال ارتبطت بالطبي بحق الأسرى في سجون الاحتلال؛ غير أن حقيقة أصعب من هذه مرتبطة جدا بالإهمال في فلسطين أدى بهذه الزاوية إلى هدر حقوق وفرص كثيرة داخلية وخارجية.

ولعلنا اليوم نركز في الإهمال المتواصل والمتصاعد في ملف الأسرى الذي كانت أولى نكساته اتفاقية أوسلو التي تجاهلتهم فكان شعارها الأرض مقابل السلام فلا حصلنا على أرض ولم نشعر بالأمان، غير أن الأسرى تلقوا صدمتها أكثر من غيرهم حينما أهدت السلطة غصن الزيتون لسجانهم الذي بأصفاده حاصر حريتهم.

هنا الإهمال الوطني تجلى في قضية الأسرى فأهملتهم أوسلو بل وجعلت قضيتهم أكثر تعقيدا وصنفتهم جغرافياً وتنظيمياً وأكثر خطورة أو أقلها، بل حتى من استشهد منهم وبقي في ثلاجات الاحتلال لم تتم المتابعة لهم.

الإهمال الوطني حينما خاض الأسرى إضراباتهم على امتداد السجون في عدة محطات بعد أوسلو وكانت النتيجة صفرا سياسيا لم يتم حتى ردع الاحتلال عن التغول بحقهم؛ فاستمر التنسيق الأمني وتسليم خلايا المقاومين وبقيت مأساة الفلسطينيين وملف الأسرى معلقا بل يزداد عددهم ومن بينهم يرتقي الشهداء.

الإهمال الوطني الذي زاد من ألم الملف أنه لم تنقله السلطة إلى المحافل الدولية ولم تجعل منه نقطة قانونية وإنسانية تحرج الاحتلال فما كان من الأخير الا التمادي والتغول بحق الأسرى، فاخترق القانون الدولي وتجاوز الحدود كثيرا في انتهاكاته بحق الأسرى وبقي المجال الدولي فارغا من ملف مهم للقضية الفلسطينية وهو الأسرى.

الإهمال الوطني حينما تحول التضامن مع الأسرى إلى وقفة قصيرة عند الصباح أمام مقر الصليب الأحمر أو بعض المؤسسات.

الإهمال الوطني حينما حرم المحررون من دورهم الحقيقي في مؤسسات الوطن وتم تجاهل حقوقهم بل والتنكر للكثير منها من خلال المسح الأمني تارة أو التنسيق الأمني تارة أخرى.

الإهمال الوطني الذي أوصل ملف الأسرى إلى الاستفراد الخطير من خلال اقتحام همجي للأقسام والسجون والغرف وقتل مباشر بالرصاص ونهش الكلاب البوليسية لأجسادهم والقتل في التحقيق؛ وكل هذا جراء اطمئنان الاحتلال لجانب الصمت الرسمي الفلسطيني الذي لن يتحرك للمؤسسات الدولية أو يحرك الشارع أو يقوم بدور حقيقي للجم هذه السياسة على أقل تقدير بوقف التنسيق الأمني.

الإهمال الوطني وصل إلى حد حصار غزة ومعاقبتها لأنها تأسر الجنود وتقاوم لتحرير الأسرى؛ فهذا أفرح الاحتلال كثيرا وجعل الفلسطيني يدفع فاتورة أغلى مما لو كان هناك حرص وطني وهدف استراتيجي لخدمة القضية بما فيها ملف الأسرى.

الإهمال الوطني الذي استشرى وكان له الأثر الكبير على الأسرى وعائلاتهم وإبداعهم ومقاومتهم والذي شل الضفة الغربية بفعل الاعتقال والتنسيق وزيادة المعتقلين ليصبح أكثر من ٥٠٠٠ أسير بينهم مرضى ونساء وأطفال.

الإهمال الوطني وعدم الردع القانوني والسياسي جعل ما يسمى بالاعتقال القسري "الإداري" سيفا مسلطا على رقاب كل الشعب.

الإهمال الوطني الذي زاد شهوة الاحتلال على الإهمال الطبي والإنساني والقانوني للأسرى، فبات يسجل كل شهر شهيد في سجون الاحتلال بإهمالهم الطبي والتعذيب وغيرها من الوسائل، وأمسى ناصر أبو حميد الآن وهو يقاوم المرض والقيد شاهدا على عقم أوسلو وإهمالها الوطني له ولأسرته المهدوم بيتها مرتين ولديه شهيد وأربعة أسرى آخرون.. هنا يتجسد الإهمال الوطني.

يقول أسرانا حينما يوصلون صوتهم لخارج أسوار السجن أن أعيدوا الهيبة لقضيتنا والتفوا حول مقاومة تأسر جنودا لحريتنا وأن استغلوا كل وسيلة إعلام لنصرة قضيتنا وتفعيل حقوقنا وفضح جريمة بحق مريضنا وطفلنا وكبيرنا.

يقول أسرانا بصوتهم الذي أضعفه الإهمال الوطني أن جريمة بحقهم ترتكب منذ عقود وأن الصمت على مرتكبها ومساعده أيضا مشاركة.

الإهمال الوطني وجب أن يتوقف وأن يعاد لأسرانا قلب المشهد وهيبة القضية وحق النصرة على كل الصعد حتى يكسر قيدهم وتقوى شوكة ناصرهم وآسر الجنود لأجلهم.

فلا يصدّع رأسنا من يتباكى على إهمال طبي سبّبه إهماله الوطني لعقود جلبت ويلاتٍ ترجمتها أوسلو سيئة الذكر.