لو تفحصنا الأجندة الفلسطينية لن نجد يومًا بلا قصفٍ، بلا عنفٍ، بلا مجزرةٍ، بلا هدم بيوت، بلا أسرٍ، بلا جَرحٍ، بلا استشهاد.
والذي هو واضح وضوح الشمس أن الفاعل هو الاحتلال الصهيوني، والواضح جدًّا أن الفاعل الصهيوني ينطلق من فكر تربى عليه وعشعش في روحه ونفسه.
أتعلمون لماذا؟ لأن هذا الكيان قائم على نظرية قمة في الوحشية والقذارة والهمجية (شعب الله المختار) والتي تنص على أن كل غير اليهود هم أغيار خلقهم الرب لخدمة اليهود.
ومما أنتجه الفكر الصهيوني نظرية أن (العربي الجيد هو العربي الميت) ولقد أبدع الاحتلال في تطبيق هذه النظرية، وتنفيذه لهذه النظرية الخبيثة لا يقتصر فقط على القتل الجسدي للعربي، بل يمتد فهمه وتطبيقه لكلمة الميت على ضرورة خلو الإنسان العربي من النخوة والشهامة والكرامة والقدرة على المواجهة والتطور، والبقاء فقط في دائرة العبودية والاستهلاك والبحث عن الحياة في مرافئ المذلة والمهانة.
وبالعودة إلى عنوان المقال، فمما يجب ألا ننساه يوم مذبحة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، ذلك اليوم الذي دخل المجرم الصهيوني "باروخ غولدشتاين" في منتصف شهر رمضان، 25 فبراير 1994، وقتل 29 مصليًّا وجرح 150 آخرين قبل أن ينقض عليه مصلون آخرون ويقتلوه.
ما فعله "غولدشتاين" لم يكن أول جريمة صهيونية فردية أو جماعية ضد الفلسطينيين، بل هي حلقة في سلسلة جرائم إنسانية بدأت منذ لحظة التفكير بإنشاء دولة لليهود حتى الآن.
وانطلاقًا من قول الله عز وجل: "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"، نكتب ونذكر، فربما بيننا من لم يعرف عن تلك المجزرة، لكثرة ما تعرضنا له من مجازر.
نكتب ونذكر، لأنه ما فائدة أقلامنا إن لم تنبش ذاكرة الوطن وتبحث فيها عن سبب المآسي لتحفز الروح للمضي قدمًا نحو الحرية والخلاص من العدو المجرم؟
نكتب لنؤكد أن الجرائم لا تُنسى بالتقادم، وبأن هذا العدو لا يعترف بالسلام، ولا يعرف أماكن مقدسة، ولا أزمنة مقدسة، فكل ما يعنيه هو كيف يحقق أهدافه وفق نظرية "الغاية تسوِّغ الوسيلة".
ولو بحثنا في الشبكة العنكبوتية عن سيرة المجرم "باروخ غولد شتاين" سنعلم أنه في ديسمبر 1956 في حي بروكلين بنيويوروك لعائلة يهودية أرثوذكسية متشددة، تابع دروسًا دينية في يشيفا كما تابع دروسًا في الطب في معهد ألبرت انشتاين التابعة لجامعة بشيفاو هي جامعة خاصة يهودية وعمل في مستشفى بدوكريل في بروكلين بعد تخرجه فيها.
هاجر إلى "إسرائيل" وعمل في جيشها كطبيب ومن ثم كاحتياطي، عُرف عنه رفضه مداواته لغير اليهود وحتى لو كانوا يخدمون في الجيش، تم تهديده بأن تتم محاكمته عسكريًّا لكنه أجاب بأنه لا يعترف إلا بسلطتين دينيتين: مائير كاهانا وموسى بن ميمون، وبعد خروجه من الجيش استقر في مستوطنة كريات أربع بالخليل حيث اشتغل بمهنة الطب.
حتى بعد موته لم تخل دولة الاحتلال من أمثاله وأنصاره، بل إن شواهد كثيرة تظهر لنا باستمرار أن "غولد شتاين" مات جسدًا، لكن فكره المتطرف لم يزل باقيًا، فاعتبروا يا دعاة التطبيع والسلام.