فلسطين أون لاين

​لأن "التحويلة" تأخّرت .. مات "مصعب" وعاشت "سونيا"

...
غزة - مريم الشوبكي

مات مصعب وهو ينتظر توقيعا على تحويلة علاجه في مشافي الاحتلال، و"عاشت" القطة "سونيا" لأنها وجدت من تعاطف معها من مؤسسات الرفق بالحيوان وحصلت على تحويلة عاجلة ليُسمح لها بالعلاج في الداخل المحتل.. مفارقة حدثت في نفس اليوم، فزادت من وجع العائلة المكلومة بفقدان صغيرها بعد سبعة أيام على خروجه إلى النور.

الرضيع "مصعب العرعير" من حي الشجاعية توفي في السادس والعشرين من الشهر الماضي، والذي صادف ثاني أيام عيد الفطر، بينما ينتظر توقيعًا من وزارة الصحة في رام الله على تحويلة علاجه، ليتمكن من السفر للعلاج.

أقبح من ذنب

"أم هاني العرعير" جدة "مصعب" تحدثت لـ"فلسطين" عن الأيام الأخيرة الفاصلة في حياة حفيدها، قائلةً: "وُلد مصعب يوم الاثنين الموافق التاسع من شهر يونيو الماضي، بعيب خلقي، حيث كان قلبه خارج القفص الصدري، وهذا ما أخبرنا به الأطباء عندما كان جنينًا في بطن أمه في شهرها التاسع، وآنذاك طمأنونا وأخبرونا بأنهم سيتعاملون مع حالته فور ولادته ليتمكن من الحصول على العلاج المناسب في الخارج".

وأضافت الجدة أم هاني لـ"فلسطين": "وفور ولادته ونظرا لخطورة حالته وندرتها، قرر الأطباء بغزة بسرعة إصدار تحويلة لعلاج مصعب في مستشفيات الضفة الغربية أو الداخل المحتل، وبالفعل، وفي ثاني أيام ولادته، تم إرسال أوراقه لمستشفى المقاصد في القدس المحتلة، وبعد أن اكتوينا بنار الانتظار، جاء الرد بعد ثلاثة أيام برفض الحالة".

وتابعت: "في التقرير المُرسل من المستشفى مذكورٌ أن الرفض جاء بسبب عدم وجود مكان شاغر لاستيعاب حالة مصعب النادرة، وذكر التقرير أيضا أنه في حال قبلت وزارة الصحة في رام الله باستقبال الحالة في قسم إنعاش قلب الأطفال يمكن استيعابه في المستشفى، برأيي هذا عذر أقبح من ذنب، ويؤكد أن رام الله منعت سفر حفيدي".

لم تكل العائلة ولم تمل من مواصلة طَرق جميع الأبواب لإنقاذ حياة "مصعب"، فأرسلت طلبا لمستشفى في الداخل المحتل من أجل استقبال "مصعب"، وبالفعل وصل الرد من المستشفى بالموافقة لأن حالته نادرة جدا.

حبيسة الأدراج

وعلى إثر هذه الموافقة، توجهت العائلة بطلب الحصول على تحويلة لعلاج مصعب، وخرجت الأوراق من غزة لتبقى حبيسة أدراج المسؤولين مرّة أخرى، تنتظر جرة قلم تشير إلى الموافقة، حتى يتمكن مصعب من تلقي العلاج المستحيل وجوده في مستشفيات قطاع غزة، مضى أسبوع ولم تُوقَّع الأوراق، لأن السلطة قررت وقف التحويلات الطبية الخارجية لمرضى القطاع.

ثاني أيام عيد الفطر، بدلا من أن يكون عيدا سعيدا، خيّم فيه الحزن والأسى وألم الفراق على العائلة، فقد غادر وأهله يشعرون أنهم مكتوفو الأيدي لا يستطيعون فعل شيء يسكّن أنينه، ولا يزال صوت بكائه يرن في آذانهم.

وقالت العرعير: "مصعب الفرحة التي كان ينتظرها ابني بلال الجريح الذي أصيب في الحرب الأخيرة عام 2014، وبعد كرم الله رُزق بصعوبة بمصعب، وكان يرسم الأحلام هو وزوجته، ويتخيلان اليوم الذي يحملانه فيه بين أيديهم، ويلبسانه جميل الثياب التي جهزوها له".

وأضافت: "تعاملنا مع هذا العيد على أنه أول عيد حقيقي لنا منذ الحرب، بعد أن بُني بيتنا الذي دُمر في الحرب، وكنت أتمنى أن يكون أسعد من سابقيه، ولكن رحيل مصعب فيه ترك في قلوبنا غصة كبيرة".

"أشكوهم لله"

وتابعت: "مات مصعب وكانت رحمة الله إليه أقرب، ولكن قلبي لا يزال يتألم على من هم أحياء والمرض ينهش أجسادهم، ويتذللون على أبواب مسؤولي التحويلات الطبية للخارج، ولكن لا أحد يكترث لحالتهم، بل ويمنعون من السفر لأن تهمتهم أنهم غزّيون".

وواصلت حديثها: "من الظلم، أن يعكس السياسيون خلافاتهم على شعبهم، فما ذنب الشعب كله، وخاصة الأطفال والمرضى"، مناشدة سلطة رام الله لتحييد المرضى عن المناكفات السياسية، والذين يموتون وهم ينتظرون أبسط حقوقهم الإنسانية بتلقي العلاج.

وحمّلت الحاجة العرعير المسئولين الحكوميين وكافة المعنيين مسئولية وفاة حفيدها مصعب ذي السبعة أيام، وإعاقة إصدار تحويلته.

في وداعه الأخير، حملته جدته بين ذارعيها وهي تذرف الدموع حزنا على رحيله، وهمست في أذنه كلماتها الأخيرة موصية إياه: "اشكيهم يا ستي لربنا، اشكي كل من كان سبب، وكل من كان لديه القدرة لإسعافك وإنقاذ حياتك ولم يتحرك".

سافرت "سونيا"

وفي مفارقة عجيبة، والتي تنم عن مقدار الظلم الذي يتعرض له المريض الغزّي، ورخص حياة الإنسان في القطاع بالنسبة للبعض، فإنه في يوم وفاة "مصعب"، فتحت سلطات الاحتلال معبر بيت حانون لتسافر "قطة" من قطاع غزة لتتلقى العلاج في مستشفياتها.

ويُذكر أن وسائل الإعلام تناقلت بكثافة تقريرا موسعا عن نجاح طبيبة أوكرانية تقيم في القطاع بنقل قطتها التي تدعى "سونيا" للعلاج في "إسرائيل".

الطبيبة المتزوجة من طبيب فلسطيني، لم تجد مراكز متخصصة لعلاج "سونيا" في غزة، فسعت واجتهدت وخاطبت جمعيات معنية في فرنسا والولايات المتحدة، والتي تحركت بدورها وخاطبت جمعية إسرائيلية للرفق بالحيوان، فرتّبت الأخيرة الإجراءات اللازمة لتحويل القطة بعد إصدار تنسيق لها في أقل من ثلاثة أيام، ونُقلت القطة بسيارة إسعاف خاصة عبر حاجز "بيت حانون إيرز".