لو اشتغلت القيادة الفلسطينية في رام الله بالسياسة، وشاهدت ما يجري على أرض الضفة الغربية، والشيخ جراح في القدس، وفي قلب مدينة الخليل، لما كان حال الفلسطينيين على ما هو عليه، ولو اشتغلت القيادة الفلسطينية في رام الله بالسياسة، وقرأت ما تضمنته تصريحات القيادة الإسرائيلية، لأدركت أن الشعب الفلسطيني أمام عدو لا يعترف لهم بأدنى الحقوق السياسية، ولا يؤمن بحقهم في الوجود المستقر الأمن، ويكفي أن تقرأ القيادة الفلسطينية في رام الله تصريح وزير الحرب الاسرائيلي بيني غانتس، في مؤتمر ميونيخ للأمن يوم الأحد، وهو يقول: سيكون للفلسطينيين كيان في المستقبل، وليس دولة كاملة، كيان يحترم احتياجات إسرائيل الأمنية!
هذا التصريح ليس للإرهابي إيتمار بن غفير، ولا هو للمتطرف فيجلن، أو أيليت شاكيد، هذا التصريح لوزير الحرب الإسرائيلي الذي يراهن عليه محمود عباس، والتقى معه في بيته بتل أبيب، غانتس لا يرى بالقضية السياسية الفلسطينية إلا كياناً منزوع السلاح، يلبي احتياجات إسرائيل الأمنية.
فماذا تبقى لقيادة رام الله؟ ومن تبقى لهم من حكام إسرائيل ليراهنوا عليه؟ إذا كان رئيس الحكومة نفتالي بينيت يرفض لقاء قيادة رام الله والحديث معهم، وإذا كان وزراء الحكومة الإسرائيلية كلهم يعلنون بأن الحل مع قيادة رام الله يقوم على حفظ الأمن مقابل تحسين الوضع الاقتصادي، وهذا هو موقف المعارضة الإسرائيلية بقيادة نتانياهو، فمن تبقى من قادة إسرائيل للمراهنة عليه؟ هل يراهنون على يائير لبيد وزير الخارجية، وهو الأمين الصادق للبرنامج السياسي لحزبه "يش عتيد" ومن مبادئه:
1ـ يؤمن بأن إسرائيل أقيمت بصفتها دولة قومية للشعب اليهودي!
وجملة "دولة قومية للشعب اليهودي" هي اللازمة التي تتقرب بها كل الأحزاب الإسرائيلية للجمهور الذي أمسى متطرفاً.
2ـ ينبغي لدولة إسرائيل أن تبقى دولة ذات أغلبية يهودية، وذات حدود قابلة للحماية.
وهذا البند يتحدث عن ترحيل الفلسطينيين، لتبقى إسرائيل دولة ذات أغلبية يهودية، بند يفتح الباب لكل توسع وضم، يؤمن حدود الدولة اليهودية.
3ـ نؤيد المفاوضات، انطلاقًا من نيّة التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين وفق مبدأ دولتين للشعبين، والذي ستبقى في إطاره كتل المستوطنات اليهودية الكبرى في (يهودا والسامرا) أراضي الضفة الغربية ضمن حدود دولة إسرائيل.
وهذا البند يحتفظ بمساحة 62% من أراضي الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية
4ـ حق إسرائيل الكامل في العمل من أجل أمنها وضد الإرهاب، بكل الوسائل ومن دون كوابح، وهذا البند يعطي للعدو الإسرائيلي الحق في مواصلة اقتحام المدن، واعتقال الفلسطينيين، وهدم بيوتهم، وتصفية من يحلم بحقوقه الإنسانية.
5ـ الدولة الفلسطينية ينبغي أن تكون منزوعة السلاح.
وهذا البند يتوافق مع ما طرحه وزير الحرب غانتس في مؤتمر ميونخ قبل يومين.
هذه الصراحة الإسرائيلية، وهذا الوضوح في المواقف السياسية يدفعنا لأن نقول:
لو كانت القيادة الفلسطينية تشتغل بالسياسة، ومعنية بمستقبل الشعب الفلسطيني، لبدأت مرحلة جديدة من العمل الميداني، ولكن القيادة الفلسطينية في رام الله لا يهمها مصير الشعب الفلسطيني، ولا تفكر في مواجهة المخططات الإسرائيلية، القيادة الفلسطينية مشغولة بأشياء لا علاقة لها بالسياسة، قد تكون مشغولة بالتحويلات المالية للخارج، والمراسيم الرئاسية، والمراسم الشكلية، والترقيات للأحباب، والتعيينات للمقربين، والاستثمار في الشركات، والامتيازات، وقد تكون مشغولة بالبورصة العالمية، ومستجدات الوقاية من كورونا، أو أي شيء لا يخطر على بال، ولكنها لا تشتغل بالسياسة إطلاقاً.
وهذه مصيبة سقطت على رأس الشعب الفلسطيني، تفرض على تنظيماته السياسية، وقواه السياسية أن تقوم بواجبها، وأن تبادر إلى خطوات عملية تنقذ ما تبقى من أرض فلسطين.