يعيش أهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة ظروفًا معيشية صعبة، تحاول (إسرائيل) عبر أجهزتها الأمنية ومؤسساته القضائية تصعيدها ضمن محاولاته الحثيثة لتنفيذ مخططاتها الرامية لإفراغ الحي من أهله المقدسيين والسيطرة عليه بالكامل.
لكن هذا التصعيد الخطير دومًا يقابل بإصرار عنيف من الأهالي على مزيد من الصمود والثبات في وجه الانتهاكات ومحاولات طردهم قسرًا، في مسعى لتكرار مشهد تهجير الفلسطينيين إبَّان نكبة 1948.
وأول من أمس، رفض أهالي الشيخ جراح بالإجماع مقترحًا قدمته محكمة الاحتلال العليا لـ "تسوية" قضية منازل الحي التي يسكنها الفلسطينيون، باعتبار أن هذا المقترح الإسرائيلي سيلحق بعائلات الحي صفة مستأجرين.
وتزامن قرار المحكمة مع تصاعد انتهاكات قوات الاحتلال والمستوطنين كذلك في الحي المقدسي، وهو ما يؤكده صالح دياب الناشط في الدفاع عن سكان الشيخ جراح، حيث يسكن هناك منذ زمن بعيد.
وقال دياب لـ "فلسطين": إن الاحتلال صعد ضغوطاته، مؤخرًا، عبر أجهزة الأمن والمحاكم، وزاد من وتيرة الاعتقالات التي لم تطل أفراد من سكان الشيخ جراح فحسب، بل طالت متضامنين مع الأهالي، ومنهم من اعتقل ما زال خلف قضبان السجون وحتى اليوم.
وحول عرض التسوية الذي قدمته المحكمة العليا، قال إن الاحتلال حاول الالتفاف على ونصب فخ للأهالي، مشيرًا إلى أن اجتماعات عقدوها مع الهيئات الوطنية والإسلامية وشخصيات قيادية من الداخل المحتل وأعضاء عرب في "الكنيست"، وأكد الجميع أن محاكم الاحتلال تفتقد للصدق والعدالة، ولذلك رفضنا هذه التسوية.
وفي أعقاب رفض عرض المحكمة الإسرائيلية، نفذ جنود الاحتلال اعتداءات جديدة استهدفوا بها عدد من سكان الحي، في ساعة متأخرة من مساء أول أمس، وقوبل ذلك بمشاركة شبان ومتضامنين في التصدي لجنود الاحتلال.
وأضاف دياب، أننا نؤمن بعدالة قضيتنا وكذلك بشعبنا وبقوة، ولهذا نحن مستمرون في الفعاليات ولن نوقفها وسنواجه إجراءات الاحتلال وانتهاكاته المتصاعدة رغم شراسة الهجمة الإسرائيلية على الشيخ جراح.
وأشار أبو دياب إلى فعالية احتجاجية هو قائم عليها منذ 13 عامًا، ينظمها الساعة 3 عصر كل يوم جمعة، ضد انتهاكات الاحتلال وإجراءاته التعسفية ويشارك فيها أهالي الحي ومتضامنين وشخصيات أجنبية، بهدف إيصال رسالتنا للعالم أننا لن نقبل بانتهاكات الاحتلال ومحاولات تفريغ الحي من سكانه الأصليين.
ونبَّه إلى أن هذه الفعالية تتعرض لانتهاكات عنيفة من قوات الاحتلال والمستوطنين، ويرافق ذلك اعتداءات عنيفة بحق المشاركين، وكان آخرهم المقدسي محمد أبو الحمص، ومن ثم اعتقاله وإبعاده عن الحي 15 يومًا.
وكانت 27 عائلة أقامت في منازلها عام 1956 بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية آنذاك ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في حين تزعم جماعات استيطانية أن المنازل أقيمت على أرض كانت مملوكة ليهود قبا 48، وهو ما ينفيه الفلسطينيون.
من جهته، قال المقدسي هاشم السلايمة، إن الاحتلال يحاول السيطرة على أهالي الشيخ جراح بحجة مقام "شمعون الصديق"، وغيره من الخرافات التي يؤلفها اليهود.
وأضاف السلايمة لـ "فلسطين"، أن حي الشيخ جراح محط أنظار الاحتلال منذ زمن طويل، وهو ضمن مخطط الاحتلال المعروف بـ "الطوق المقدس" المزعوم للحركة الصهيونية.
وأكمل: نعيش بمرارة وعذاب لكننا صامدون رغم ما يتعرض له أبنائنا من اعتداءات واستفزازات يومية ينفذها المستوطنون وتلاحقهم في نفس الوقت شرطة الاحتلال التي تعتقل الشباب والصبايا.
وأضاف: "كلما أراد مستوطن يهودي سجن شاب من الشيخ جراح، فيكفي به أن يتصل بشرطة الاحتلال ويشتكى لهم زورًا وبهتانًا".
"لكن رغم ذلك نحن صامدون ومرابطون وهذا ما ورثناه من أبنائنا وأجدادنا، ولن نتنازل تحت أي ظرف أمام تصاعد انتهاكات الاحتلال" كما يقول السلايمة.
وكانت أحداث الشيخ جراح وما شهده الحي المقدسي من انتهاكات فجرت معركة سيف القدس بين المقاومة بغزة وجيش الاحتلال في مايو/ أيار الماضي، وقصفت خلالها المقاومة المدن الإسرائيلية ومنها "تل أبيب" وغيرها من المدن المركزية، بالصواريخ ردًا على انتهاكات الاحتلال.
ويصاحب هذه الانتهاكات حملات تضامن تنطلق على مواقع التواصل الاجتماعي مع كل حملة جديدة تشنها سلطات الاحتلال وقواته ومستوطنيه ضد أهالي الحي الذي تعرضوا لفترة طويلة بعد معركة سيف القدس لأشد الانتهاكات والاعتداءات دون السماح للصحفيين بدخول الحي وتوثيق ما يحدث.
وصعدت (إسرائيل) من سياساتها وإجراءاتها بالقدس خاصة بعد إعلان رئيس الإدارة الأمريكية السابق دونالد ترامب، المدينة المحتلة عاصمة لها، على حدِ زعمه، وما رافق ذلك من اتفاقيات تطبيع بين الاحتلال وأنظمة عربية.

