فلسطين أون لاين

"معاناتنا كبيرة، نستدين ونبني ويذهب كل ما نفعله هباء منثورًا"

تقرير "دبش والكركي" يدفعان ضريبة الصمود في القدس غرقًا في الديون

...
جرافات الاحتلال تهدم منزلا في القدس (أرشيف)
القدس المحتلة/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

لا يزال أطفال عائلتي دبش والكركي يعيشون في حالة من الصدمة الشديدة، بعدما رأوا آباءهم يهدمون بيوتهم بأيديهم، متسائلين: "لماذا فعلتم ذلك بذكرياتنا وبيوتنا؟!"، غير قادرين على استيعاب أن ما فعله آباؤهم أمرٌ خارجٌ عن إرادتهم، وإنما فرضته عنجهية الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى بكل الطرق لتهجير المقدسيين من أرضهم.

في عام 2015 قرر مالك دبش وزوج شقيقته "علاء الكركي" البناء والاستقرار في الأرض التي تملكها عائلة دبش في بلدة صور باهر، جنوب شرق القدس المحتلة، بعد محاولات عديدة للحصول على ترخيص للبناء باءت بالفشل. 

وكما يحدث لكل أهل القدس أصدر الاحتلال مخالفات لهما، طالبًا هدم المنزل المكون من طابقين، في حين كان اللجوء إلى القضاء الإسرائيلي أمرًا معروفًا نتيجته سلفًا، فهما يدركان أنه لن ينصفهما.

وفي الثاني من الشهر الجاري تسلم دبش والكركي قرارًا بإغلاق الاحتلال ملف البيت قضائيًّا، وأنه لا بدّ لهما من هدمه، وإلا فإن بلدية الاحتلال ستنفذ أمر الهدم وتتحمل العائلتان كلفة العملية البالغة 250 ألف شيقل.

"حتى الآن لم أسدد ثمن بناء شقتي لمَنْ استدنتُ منهم؛ فكيف لي أنْ أدفع غرامة باهظة كهذه؟! لم يكن أمامي وأمام مالك خيار سوى هدم البيت قسرًا في 12 من شهر فبراير الجاري" يقول علاء الكركي.

ويضيف: "لم يكنْ الهدم الذاتي بالأمر الهين قط، لكن لم يكن باليد حيلة، فالاحتلال يرى أنه ليس لنا الحق بالتصرف في الأرض المملوكة لنا، وأنه هو مَن سيقرر مستقبلها، وقد يصادرها في أي لحظة".

هباء منثور

وحتى اليوم لم يسدد الكركي "الذي يعمل سائقًا" ديون بناء منزله، يقول: "معاناتنا كبيرة، نستدين ونبني ويذهب كل ما نفعله "هباء منثورًا" في لحظة واحدة بقرار تعسفي من الاحتلال، لكنها ضريبة الصمود في القدس، يريدوننا أن نتركها وهذا ما لن يحصل أبدًا".

في حين يحاول مالك دبش الهروب من عيون أطفاله التي تحاصره بأسئلة عن سبب ما فعله، خاصةً أنهم لم يستفيقوا بعد من صدمة رؤيتهم عمَّيهم "محمد وبلال" يهدمان بيتهما بنفسهما قبيل ثمانية أشهر خلت.

يقول دبش: "لم نستفق بعد من صدمة اضطرار شقيقَيّ إلى هدم منزلهما في الأرض ذاتها، حتى اضطررت أنا وعلاء أيضًا إلى هدم بيتنا والتشرد نحن وأطفالنا الثمانية، لا يستطيع أبناؤنا تفهم سبب إقدامنا على هدم بيوتنا التي تحمل كل ذكرياتهم وأغراضهم".

وتعيش العائلتان حاليًّا حالة من التشرد بين بيوت الأقارب، إلى حين الحصول على مأوى جديد، وهو أمرٌ بالغ الصعوبة في القدس المحتلة، بسبب غلاء أسعار الشقق المستأجرة وقلة العقارات، بجانب أنّ كل مَنْ يخرج من حادثة هدم يكون "غارقًا في الديون".

وفي شرقي القدس يراوح ثمن الشقة السكنية بمساحة 100 متر مربع بين 400 ألف دولار و800 ألف، ولا يقل إيجار الشقة بالمساحة نفسها عن 800، ويصل إلى 1500 دولار، وربما أكثر.

فبجانب مرارة "فقدان المأوى" دبش لا ينام الليل وهو يفكر في كيفية سداده الديون التي كبله بها الاحتلال، يقول: "كلفني بناء البيت مليون شيقل لم أسدد جزءًا كبيرًا منها بعد، في حين أوقع الاحتلال علي مخالفات قدرها 546 ألف شيقل، لم أسدد سوى 150 ألف منها فقط".

ويلفت إلى أنه اضطر إلى هدم البيت تلافيًا لفرض غرامة مالية جديدة، تكلفة هدم بلدية الاحتلال له.

وأوضح مالك أنه استنفد كل الطرق القانونية من أجل حماية البناية من الهدم، مضيفًا: "منذ 2012 أحاول الحصول على ترخيص للبناء ولكن دون جدوى، فهم فقط يريدون إخراجنا من مدينتنا، لكننا سنظل فيها رغمًا عن أنفهم".

وكانت عائلتا دبش والكركي اضُطرتا الجمعة الفائتة إلى هدم بيتهما ذاتيًّا، في منطقة قيسان ببلدة صور باهر، بمدينة القدس المحتلة.