لأنك تعيش بالقدس عليك أن تدفعَ الثمن، هذه منهجية الاحتلال الإسرائيلي مع سكانها، يحاصرهم بالضرائب، فيدفعون رسم انغراسهم في أرضهم دفاعًا عن هويتهم بأشكالٍ شتّى، ضريبة للملكية، وضريبة للقمامة، وأخيرًا استحدثت ضريبة للكمامات الطبيّة.
"تخيّل أنك إذا كنت في القدس لا تستطيع إصلاح أيّ عطلٍ في بيتك، إما أن تصلحَه بنفسك أو تستعين بالجيران، وفي أيّ لحظة يمكن أن يعتدي عليك المستوطنون بالحجارة، أو الدّعس، والرصاص أيضًا، لأنّ الاحتلال يريد أن يدفعك بالقوة خارج المدينة التي يريدها لليهود" تقول فاطمة خضر من بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة.
وتضيف: "كل إشي في القدس بندفع عليه، ندفع بدءًا من إيجارات البيوت العالية، وليس انتهاء بضريبة الكهرباء، والماء، والأرنونا".
ولدت فاطمة (63 عامًا) في حارة الشرف، التي يطلق عليها الاحتلال حارة اليهود، ومُنذ زواجها تعيش في بيتٍ مُستأجرٍ في بيت حنينا، بمساحة 40 مترًا مُربّعًا، عبارة عن غرفتين وصالة ومنافعهم، وتدفع إيجارًا شهريًّا 1200 دولار، بخلاف فاتورتي الكهرباء، والماء، اللّتين تزيدان على 3500 شيقل شهريًّا، وضريبة أرنونا 250 شيقلًا شهريًّا.
تشكو خضر همًّا تراكم من حولها ويتضاعف بمرور الزمن: "لدي ابنان تجاوزا سنّ الثلاثين ولا أستطيع تزويجهما، بسبب غلاء المهور، وإيجارات البيوت، والضرائب الباهظة التي تفرض على الأسر المقدسية".
وتشير إلى أنّ الاحتلال يتعمّد تقديم إغراءات للشباب المقدسيّين المُقبلين على الزواج، ليدخلوا في دوامة ديونٍ تدفعهم لتركِ القدس والهجرة خارجها.
وتروي خضر كيف يفرض الاحتلال غرامات مالية عليها، في حال تجوّلت في شوارع القدس، أو وجهت كلامًا لجندي إسرائيلي، أو شتمت مستوطنًا، وأبعدت من أجل ذلك سبعةَ أشهرٍ عن المسجد الأقصى.
ويحقُّ للفلسطيني الذي يحمل هوية مقدسية العلاج في مستشفيات الاحتلال، ولكن العنصرية تتجلّى حينما يُترك المريض المقدسي على لائحة الانتظار ساعات في العيادات، والمُستشفيات، ويُعرض الإسرائيلي على الطبيب فور دخوله، حسب حديث خضر.
وتُنهك الضرائب الإسرائيلية المواطنين الفلسطينيين في شرقي القدس المحتلة، فتتركهم أمام خيار العيش في فقر، أو الانتقال إلى أحياء محيطة بالقدس، ما يُعرّضهم لخطر فقدان إقامتهم في مدينتهم.
(21) ضريبة
فالمقدسية نهى عطية لم تغادر بيتها منذ 31 عامًا، وأبناؤها حينما يغادرون حيّ الشيخ جراح ويعودون إليه بعد انتهاء دوامهم في وظائفهم يُفتّشون ويُتحقّق من بطاقاتهم الشخصية (الهويات)، ويُمنع منعًا باتًّا دخول أيّ شخصٍ إلى الحيّ من خارجه.
عام 1948 هُجّرت عائلتها من حيّ الطالبية أحد الأحياء الراقية في القدس، وعائلة زوجها من قرية دير رفات قضاء القدس.
تقول: "هل تتخيّل أنه إذا حدث لديك مشكلة في إمدادات المياه لا يُمكنك استدعاء سبّاك لحلّها، لأنه لا يسكن في شارعك، هذا ما حصل معنا، فساندنا الجيران".
وفي شهر رمضان في أثناء اعتداء جنود الاحتلال على المتضامنين مع الحي تضرّرت حيطان المنزل، بسبب قنابل الصوت التي اخترقت أبواب البيت أيضًا، وحتى اليوم يمنعون من إصلاحها.
تسكن نهى بيتها منذ عام 1988م، ربت أولادها الأربعة وابنتيها فيه، تتحمل ما لا يطاق من ضرائب باهظة يزيد عددها على 21 نوعًا، وفي المقابل لا يقدم لهم الاحتلال أدنى الخدمات التي يستحقونها من بنية تحتية وصحية وغيرها.
وللضرائب في دولة الاحتلال أسماء عديدة، منها: الدخل، والشراء، والقيمة المُضافة، والتلفاز، والتحسين، والأملاك والقبور، لكنّ كابوس المقدسيين خاصة هو ضريبة المساحة، التي تُعرف عبريًّا باسم "الأرنونا".
وتُلفت نهى ساخرة إلى أنّ الضرائب المفروضة على المقدسيّين تفوق في كثير من الأحيان دخولهم ما يؤدي إلى تراكمها، ثم جدولتها أو عمل تسويات لدفعها، في حين يحصل المستوطن اليهودي في غربي القدس على دخلٍ أعلى، ويدفع الضريبة نفسها، ويحصل على إعفاءات وتخفيضاتٍ لا يحصل عليها الفلسطيني المقدسي، أما المتدينون اليهود فلا يدفعون أيّ ضريبة.
فجوة سحيقة
وتفرض بلدية الاحتلال في القدس ضريبة "الأرنونا" على الشقق، وهي بين 100 دولار و250 دولارًا شهريًّا، تبعًا لمساحتها، وتتضاعف على المحال التجارية.
ويعيش ماجد حجاج (42 عامًا) مع أطفاله الأربعة وزوجته في بيت بمساحة 90 م2 عبارة عن غرفتين وحمام ومطبخ، ويصل مجموع ما يدفع من ضرائب إلى 40 ألف شيقل شهريًّا.
يبين حجاج لـ"فلسطين" أن شُح الأراضي وارتفاع الضرائب على البناء رفعا بشكلٍ كبيرٍ جدًّا ثمن الشقق في شرقي القدس، فبات سعر الشقة السكنية بمساحة 100 متر مربع يراوح بين 400 ألف دولار و800 ألف، وإيجار الشقة بالمساحة نفسها ما بين 800 و1500 دولار، وربّما أكثر.
ويشير إلى أنّ التسهيلات والحوافز التي يحصل عليها المستوطنون لشراء المساكن، والإعفاءات الضريبية تجعل المقدسيّين مواطنين من الدرجة الثانية، لا يتمتّعون بحقوق "المواطنة الكاملة".
ويمضي حجاج إلى القول: "هناك فجوة سحيقة بين أوضاع تجمعات المستوطنين اليهود وأوضاع الأحياء الفلسطينية في شرقي القدس، من يسير في الشوارع يُلاحظ بوضوحٍ كيف تمسُّ الحقوق الأساسية، وكيف يحصل المستوطن اليهودي على مواردَ اجتماعية واقتصادية وبنية تحتية متكاملة، في حين يحصل المقدسي على صفر، ويعيش في فقر وإهمال".