فلسطين أون لاين

تقرير الأسير حريبات.. ألبسه الاحتلال ثوب الألم في ريعان شبابه

...
الخليل – غزة / فاطمة الزهراء العويني:

منذ عشرين عاماً خلت هجر النوم والفرح عيون وقلب يسرا حريبات (68 عاماً) بعد أنْ غيب السجن ابنها إياد، يتآكل جسده ويلبسه المرض ثوب الكهولة في ريعان شبابه، في ظل إهمال طبيٍ إسرائيلي متعمد.

لا تفارق صورة الشاب إياد (40 عاما) المتفوق المفعم بالحياة قبيل اعتقال الاحتلال الإسرائيلي ذهن والدته، وكلما قارنتها بالحالة التي يُرثى لها التي أصبح فيها ابنها فإن دموعها لا تتوقف عن الانهمار.

بدأت الحكاية منذ اعتقل الاحتلال "إياد" في 21 سبتمبر/ أيلول عام 2002م من السكن الجامعي لجامعة النجاح، وأخفى آثاره عاميْن كاملين أكل فيها القلق قلب وعقل حريبات على ابنها إلى أنْ سمح الاحتلال له بمهاتفتها وأخبرها بأنه معتقل لدى الاحتلال.

ورغم إلحاح حريبات على ابنها بالسؤال عما إذا ما تم الحكم عليه إلا أنه لم يُقر بذلك، لتُصدم في أثناء زيارة من أهل صديقه الشهيد جمال أبو عطوان بأنه قد تم الحكم عليه، لكنهم وأمام وقع الصدمة عليها لم يخبروها سوى بأنه حُكم عشرين عاماً في حين أن الحقيقة، كما علمت لاحقاً، أن الحكم مدى الحياة وعشرون عاماً!

لم تكدْ حريبات تَفُق من صدمة الحكم الطويل لتُصدم بسلسلة من المعاناة المستمرة حتى اللحظة، تتمثل في الزيارات، ففي البداية لم يسمحوا لأحدٍ غيرها بزيارته وكانوا أحياناً يمنعونها عنه، فيما لم يسمحوا لوالده بالزيارة إلا بعد سبع سنوات من اعتقاله وأحياناً كانوا يسمحون لبعض أشقائه بزيارته!

وفي عام 2014م وفي أثناء زيارتها لـ"إياد" تفاجأت بأنه لم يعرفها ولم يعرف شقيقه، فأوعز إليها زملاؤه الأسرى بأنْ تتجاوب معه في كل ما يقوله لها، لأنه قد فقد ذاكرته، "كان موقفاً غاية في الصعوبة كان يستحلفني بالله إنْ كنتُ أمه فعلاً! وكان يعتقدُ أن شقيقه ضابط مخابرات جاء للتحقيق معه!".

سلسلة معاناة

وتضيف: "لا أدري كيف استطعتُ تمالك أعصابي وأنا أرى ابني على هذه الحال، بمجرد أن عاد لزنزانته انهرتُ بالبكاء، ظلّ على هذا الحال أكثر من عاميْن حتى إنني في زيارة لاحقة له لم يعرني أي اهتمام وظلَ يقرأ في مصحفه وكأنّ لا أحد بجواره".

وتبين حريبات أنّ سبب فقدان الذاكرة كما علمت هو أنّ الاحتلال حقنه بإبرة مجهولة، ولاحقاً عادت الذاكرة تدريجياً لـ"إياد"، لكن الاحتلال لم يتركه في حاله.

ففي عام 2017، رش جنود الاحتلال على جسمه مادة أحرقته وحولت لون جلده للون الأسود، وأصيب بشلل في أطرافه الأربعة، لم يُسمح لها لمدة سبعة أشهر بزيارته فيما كان يُخفي أشقاؤه عنها طبيعة مرضه، مخبرين إياها بأن لديه ألمًا في المعدة.

لكن بعد أنْ سمح لها بزيارته ورأته على كرسي متحرك عرفت الحقيقة، تقول: "لم أستطع أن أتمالك نفسي فدخلت في حالة من الصراخ الهستيري، رغم أن زملاءه الأسرى أوصوني بأنْ أضبط أعصابي كي لا ينعكس سلباً عليه لكنني لم أستطع ذلك".

وبعد عدة شهور استعاد حريبات الحركة في أحد يديْه، بمساعدة من زملائه الأسرى الذين كانوا يقومون بعمل علاج طبيعي له في ظل إهمال الاحتلال لعلاجه، ثم عادت الحركة تدريجياً ليده الثانية، ومن ثم رجليه، لكنه أصيب بـ"عرج دائم" في رجله اليسرى.

في العام الماضي، عادت صحة "حريبات" للتدهور، فأجرى له الاحتلال عملية جراحية في بطنه في شهر يونيو/ حزيران، "ولكن الاحتلال المجرم نقله فوراً من غرفة العمليات إلى "البرش" في المعتقل وكان قد استخدم في العملية أنبوباً ملوثاً فأصيب بنزيف حاد استمرّ ثلاث ساعات".

ولم يستجب الاحتلال لاستغاثات زملائه الذين ظلوا يدقون على أبواب الزنزانة، سوى صباح اليوم التالي، حيث نقلوه لمستشفى "سوروكا" فاقداً للوعي على أجهزة التنفس الاصطناعي، وظنّ الجميع أنه قد استُشهد، لكنه استفاق بعد ثمانية عشر يوماً وسمح الاحتلال لها ولشقيقه بزيارته على أن تجلس بعيداً عنه على كرسي دون أن يسمحوا لها بلمسه.

وما زال حريبات يعاني مضاعفات تلك العملية حتى اللحظة حيث يقبع في "سجن الرملة" سيئ الصيت، وما زالت الأنابيب في جسده فلا يستطيع أنْ ينام الليل من الألم كما أخبر والدته في آخر زيارة لها في يناير/ كانون الثاني الماضي.

وفي حين لا ينام إياد من الألم فإن عيون والدته لا تنام من القلق والتعب والتفكير فيه وفي مستقبله، "فمن شدة الحزن على ما أصابه أصبتُ بالسكري والضغط وأمراض في الأعصاب، فابني يذبل أمامي يوماً بعد يوم دون أنْ يمد له أحد يد العون".