في الشيخ جراح، وفي باب العمود، وفي باحات المسجد الأقصى، وفي كل بقعة من أرض القدس شهدت مواجهات مع العدو الإسرائيلي، انتصر الفلسطينيون، لأنهم أصحاب الحق، وهم الراسخون فوق أرضهم، وهم حماة المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولأنهم لا يقاتلون ترفاً أو طمعاً أو اعتداء، المقدسيون ومن خلفهم كل الفلسطينيين يقاتلون عدوهم، وهم يستعصمون بالوحدة، ويدركون أن قوة الإيمان بحقهم هي طريقهم لمواجهة عدو يستهدف بيوتهم وأرضهم ودينهم وعرضهم وتاريخهم ومستقبل الأجيال، فالمعركة على أرض القدس لا تهدف إلى تحسين ظروف المعيشة، وليست لتوفير فرصة عمل، ولا هي من أجل رفع الضرائب، المعركة على صخور القدس من أجل فلسطين كلها، والقدس رأس حربتها، ودرة تاجها، وعنوان الصراع القائم بين أمة لها قيمها، وعدو فقد إنسانيته.
وقبل سنوات طويلة من احتلال هذا العدو الإسرائيلي للأراضي العربية سنة 1967، كانت القدس صاعق التفجير لمعظم المواجهات، فأول هبة أشعلت كل فلسطين ضد الاستعمار البريطاني والعصابات اليهودية قبل مئة عام، كانت هبة القدس سنة 1920، ثم كانت ثورة البراق من القدس، وقد أشعلت النيران في كل ربوع فلسطين سنة 1929، وتلتها بعد ذلك عشرات المواجهات والمعارك التي لم تنتهِ حتى يومنا هذا، حين حاول الإرهابي المتطرف إيتمار بن غفير إقامة مكتبه داخل منزل عربي فلسطيني في حي الشيخ جراح، فتصدى له الشعب الفلسطيني بكل أطيافه، وقاتله بشراسة، حتى أجبر حكومة العدو على سحبه من المكان، حرصاً على التهدئة، وخوفاً من تطور المواجهات إلى ما لا تحمد عقباه.
القدس لم تخسر أي معركة من معاركها ضد الغزاة الصهاينة، باستثناء معركة 1967، حين هدم الأعداء حارة المغاربة، وأقاموا ما يسمونه "حائط المبكي"، ودون هذه المعركة التي لا تقع فيها المسؤولية على أهل القدس، انتصر المقدسيون في كل معاركهم مع العدو، لقد انتصرت القدس ببقاء مئات الآلاف من أهلها رابضين فوق صخرتها، حتى صاروا أشجار الزيتون التي تعتصر زيت المقاومة، وانتصرت القدس، وأهلها يقاتلون عدوهم من بيت لبيت، يقدمون الشهداء والجرحى والأسرى بلا وجل، وانتصرت القدس ببقاء المسجد الأقصى يؤذن لصلاة الفجر رغم أنف الغزاة، وانتصرت القدس في معركة الحواجز الإلكترونية، وفرضت على العدو إزالتها، وانتصرت القدس في معركة باب العمود، حين كسرت إرادة العدو، وانتصرت القدس في معركة الشيخ جراح شهر مايو 2021، حين هبت غزة بمقاومتها، وقصفت تل أبيب دفاعاً عن القدس وأهلها، فإذا بالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفلسطيني 48 يلتف حول القدس، والرجاء أن تتحقق الوحدة الوطنية على أساس مواجهة الغزاة، والتصدي للعدوان.
اليوم تنتصر القدس من جديد، تنتصر القدس بأهل غزة، وهم يهددون بعدم وقوفهم على الحياد، وتنتصر القدس بشباب بلدة السيلة الحارثية، حين هبوا بكل طاقتهم، وتوحدوا خلف مقاومة وطنية، وواجهوا برصاصهم وقدراتهم المحاصرة جيش العدو الذي اقتحم البلدة لهدم منزل أحد الأسرى، وانتصرت القدس في جنين، والكتائب المقاوِمة للاحتلال تتشكل من كل التنظيمات، وانتصرت القدس بالمظاهرة التي خرجت في نابلس دعماً للمقاومة، ورفضاً للمساومة، وانتصرت القدس في بلدة بيتا والخليل ورام الله، وفي كل مكان من فلسطين يتمرد على الاحتلال، ويمتشق سلاح المقاومة
ستظل القدس عنوان فلسطين، وستظل قائدة المقاومة بكل مسمياتها، وستظل البوصلة التي تشير إلى العنوان الصحيح في المواجهة، لأنها القيثارة التي تعزف عشق فلسطين، وتهتف بالنصر للصابرين.