فلسطين أون لاين

الاحتلال يحاول فكّ عقدة السلسلة الأولى بالجزء الغربي

"الشيخ جراح".. الأهالي يتصدون لعربدة المستوطنين والمقاومة تمنحهم شحنات أمل

...
مستوطنون يقتحمون أرض عائلة سالم بالشيخ جراح
القدس المحتلة- غزة/ يحيى اليعقوبي:
  • ذياب: مقاومة غزة رفعت معنوياتنا وأعطتنا أملا جديدًا بأن حقنا لن يضيع
  • الحسن: الحيُّ عقدةٌ مركزيةٌ للاحتلال كونه يُعدُّ فاصلًا بين الكتل الاستيطانية

قطعانٌ من المستوطنين يناهزون ألف متطرفٍ بحمايةٍ شرطة وجيش الاحتلال ووحداته الخاصة، تجمّعوا أمام منزل الحاجة فاطمة سالم بحي الشيخ جرّاح بالقدس المحتلة يحاولون كسر السلسلة الأولى في الجزء الغربي من الحي ليسهل بعد ذلك تهجير العائلات.

تعالت تهديداتهم للمسنة التي نقشت ذكرياتها على كلّ حجرٍ في بيتٍ ورثته عن عائلتها "إذا بتطلعيش من البيت راح نحرقك؛ أنت وأولادك"، تهديداتٌ ألقتها وراء ظهرها غير آبهةٍ بحشودات المستوطنين أمامَ منزلها "بحلمك .. مش راح أطلع من الدار".

بين عصا يرفعها أبناؤها ومن ساندهم من شباب الحي، وقنابل غازٍ وأدواتٍ حادةٍ يرفعها المستوطنون يساندهم فيها جيش مُدجّجٌ بالسلاح وكلّ أدوات القمع، اختلفت موازين المعركة بين صاحب أرضٍ لا يملك باليد حيلة إلا الصمود والثبات، ومُحتلٍ يواصل سرقة ما لا يملك تحت مرأى ومسمعٍ من العالم الصامت مُستخدمًا قوته العسكرية.

انطلق القطعان بين "كرٍ وفرٍ" فأسقطوا الحاجة فاطمة (71 عامًا) على الأرض وجرحوا يدها نقلت على إثرها للمشفى لاحقًا، لكنّهم لم يُسقِطوا صلابتها ولم يُضعفوا ثباتها فنهضت من جديدٍ رافعةً رايةَ التحدي "مش راح أطلع، هاي داري، واحنا قاعدين فيها .. لو بقتلوني" متشبثة بذكريات أهلها، معلنة رفضها تنفيذ قرار محكمة الاحتلال بإخلاء منزلها مطلع مارس/ آذار القادم.

تدخّلت شرطة الاحتلال بعدما أرسلت مقاومة غزة تهديداتها ووصفت ما يجري بـ "الشيخ جرّاح" بأنه "لعبٌ بالنار" تذكّرهم بـ "سيف القدس".

في الأسابيع الأخيرة تكرّرت اقتحامات المستوطنين الاستفزازية للشيخ جرّاح، الواقع في الجانب الشرقي من البلدية القديمة بالقدس، قاد تلك الاقتحامات كلٌّ من عضو الكنيست المتطرّف إيتمار بن غفير وأرييه كينج نائب رئيس بلدية الاحتلال، وهو ما ينذر بموجة مواجهةٍ جديدةٍ في الشيخ جرّاح، والتي انتقلت أمس للجزء الغربي من الحي.

ومنذ رفض عائلات الحيّ في 2 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، التوقيع على صفقة مع الاحتلال تقضي "بإعطاء ملكيتهم للمستوطنين مقابل البقاء في منازلهم خمسة عشر عامًا" تكرّرت اقتحامات المستوطنين الاستفزازية للشيخ جرّاح.

معركة شرسة

ليومين لم يزر النوم عيني إبراهيم سالم نتيجة "معركة حقيقية تشنُّها دولة الاحتلال علينا" بهذا وصف ما يحدث معهم لـ "فلسطين أون لاين" ويروي بقية التفاصيل عبر الهاتف: "قامت قطعان المستوطنين بالاعتداء علينا، جرحوا والدتي، واعتقلوا شقيقي وأطلقوا علينا قنابل صوتية وحجارة (..) للساعة الثالثة فجرًا والأوضاع متوترة أخشى النوم خوفًا من اعتداءٍ مفاجئ".

يُقدّرُ سالم أعدادَ المقتحمين بنحو ألف مستوطنٍ حاصروا الحيّ كاملًا، وقاموا بتكسيرِ السيارات والاعتداء على الأهالي "كان بحوزتهم أسلحة وهراوات وقنابلَ غازٍ، فقمت مع أخوتي بالتصدّي لهم ومنعهم من دخول البيت" قال.

بقوة وعزيمة استمدّها من والدته المسنة فاطمة يرفض إبراهيم إخلاء البيت "سنبقى صامدين في أرضنا وبحيّ الشيخ جرّاج، ولن نخرج من البيت وسنبقى صابرين، رغم أنهم هدّدوا بإخلاء البيت قبل 1 مارس/ آذار القادم لكننا لن نرحل"، مُشيرًا إلى أنّ قوات الاحتلال لا زالت تحاصر المنزل ويتقدمهم المتطرف بن جفير.

نكبة ثانية

يصف الناشط المقدسي صالح ذياب ما يجري بأنه "نكبة ثانية"، فلم يفق ذياب وباقي الجيران من جريمةِ هدمِ منزل عائلة محمود صالحية الشهر الماضي ليستيقظوا على مأساة جديدة، يتّحد فيها الجيران في التصدي لقطعان المستوطنين، يدركون أنّ هدم منزل صالحية ومحاولة الاستيلاء على منزل عائلة سالم هو منهجٌ احتلاليٌّ يهدف لتهجير كلّ ما هو مقدسيّ بدايته في حيّ الشيخ جرّاح ونهايته في "سلوان".

يقول ذياب لـ "فلسطين أون لاين" وعبارات الغضب تتسابق بالخروج من فمه "كان الاعتداء همجيًّا، ولقد شاهد العالم كيف اعتدَوا علينا، لكنّنا ورغم ذلك شعرنا بتراجعِ الاحتلال عندما هدّدت المقاومة، -وبكلّ صدقٍ عندما يشعر الإنسانُ أنّ خلفه سندٌ وظهرٌ مقاوم فإننا نُضحّي بأولادنا وأنفسنا لأجل فلسطين والأقصى- ورفعت معنوياتنا وأعطتنا أملًا جديدًا بأنه لن يضيع حقّنا".

خلف تفاصيل هذا الاعتداء، نسج بن غفير هو والمستوطنون مكيدةً يكشف ذياب تفاصيلها، بأنّ شبابَ الحيّ ألقَوا القبضَ على مستوطنٍ حاول إحراق سيارات فلسطينية، ويُكمل: "قُمنا بتبليغ شرطة الاحتلال، فادّعى المستوطنون أنّ شابًّا فلسطينيًا حاول إحراق بيت استولى عليه المستوطنون سابقًا قُبالة منزل سالم، بالتالي أيّدت شرطة الاحتلال ادّعاءات المستوطنين وحدثت الاشتباكات بعد ذلك".

ورغم أنّ الأحداث هدأت نسبيًا، إلا أنّ ذياب يلفت أنّ بن غفير حشد مستوطنين متطرفين من مستوطنات الضفة، يحملون أسلحتهم ويحيكون غدرًا للحي، وهذا مؤشّرٌ للمقدسي على ضوءٍ أخضرَ حصل عليه المستوطنون لتنفيذ مُخطّط الاحتلال.

إزالة العقدة

يُركّزُ الاحتلال مُخطّط التهجير على الشيخ جراح بحسب الباحث زياد الحسن، كون الحيّ يُعدُّ فاصلًا بين الكتل الاستيطانية التي أنشأها الاحتلال شرقي وغربي القدس، ويريد أن يصل هذه الأجزاء ببعضها، ويعزل مركز القدس عن بقيّةِ مناطق المدينة، وبالنسبة للاحتلال فإنّ الشيخ جراح عقدةٌ مركزية.

وأشارَ الحسن لـ "فلسطين أون لاين" إلى أنّ الاحتلال سيطر على ثلاثِ جبهاتٍ من أصل خمس جبهاتٍ في الحي، بعد استيلائه على قصر وكرم المفتي، والأرض الملحقة به والتي كان يُقام عليها خيمة اعتصام في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، بالتالي تبقَّى مركز الحيّ العامر بالسكان بقسمَيْه الشرقيّ والغربي.

وقال، إنّ الاحتلالَ خاض العام الماضي معركة لتصفية منطقة "كرم الجاعوني" وفشل، واليوم ينتقل للجزء الغربي من الحيّ مُحاولًا اخلاء أول بيتٍ فيه وهو لعائلة سالم.

ويُعتقد أنّ المعركةَ في بدايتها وأنّ الاحتلال لن يتراجعَ بسهولة، بالتالي يجب حماية المقدسيّين وتصعيب فرصة إخراجهم وتهجيرهم.