الفوضى لم تُحقق يوماً مصلحة عامة، وإن كانت في بعض الأحيان تُحقق مصالح خاصة، ولكن في النهاية هي فوضى وهي ظاهرة سلبية تضر المجتمعات في مختلف المجالات، سواء كانت فوضى سياسية أو اقتصادية أو رياضية، فهي ظاهر سلبية بكل أشكالها، سواء كانت مُنظمة أو فردية.
إن ما يحدث في ملاعبنا من فوضى جماهيرية تتمثل في تحكم الجماهير بمصير الكرة الفلسطينية وأنديتها وفرقها من خلال سلوكها غير الرياضي باستخدام أدوات تشجيعية غير قانونية وغير رياضية في الملاعب، وتُعرض حياة اللاعبين والحُكام وكل عناصر اللعبة للخطر، إلى جانب تعريض الملاعب نفسها لأضرار.
تخيلوا الفرق بين المُطالبة بمنح الجماهير الحق في اختيار من يُمثلها في مفاصل الدولة وهيئاتها، وهذا حق مُكتسب لها كونها قاعدة العملية الديمقراطية، وبين المُطالبة بمنع الجماهير ذاتها من التحكم بمصير الملاعب والبطولات والأندية، لأنها لا تملك حق التحكم ولا حق تقرير مصير هذه البطولات.
للأسف الشديد تأبى الجماهير إلا أن نوجه لها الانتقاد على ما تقوم به من سلوك سلبي، بدلاً من الوقوف إلى جانبها لمساعدتها على تعويض ما فقدته خلال سنوات الحصار من فرص للعمل وفرص للقيادة، وهو ما يجعلنا نذهب باتجاه تناول جميع الاحتمالات التي تؤدي إلى استمرار وتعاظم ظاهر استخدام المفرقعات التي تضر بالملاعب وتضر بخزينة الأندية جراء الغرامات المالية، إلى جانب أنها تضر بجيوب الجماهير ذاتها التي تنفق على التسلح غير المنطقي بأدوات غير منطقية وممنوعة في الملاعب.
عندما قلنا أن يجب ألا ننتظر سقوط ضحايا حتى نقوم بمعالجة ظاهر استخدام المفرقعات النارية في المدرجات، كان هناك من يُقلل من الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة السلبية التي اجتاحت ملاعب الدوري في غزة، وكان هناك من يعتقد أننا نُبالغ كإعلام في طرح القضية.
وعلى الرغم من قيام اتحاد كرة القدم بفرض عقوبات على الأندية التي تقوم جماهيرها باستخدام المفرقعات، إلا أن هذه العقوبات لم تعد رادعاً، حتى أن أحد الأندية قام باستخدام المفرقعات في المباراة التالية للمباراة التي فرض الاتحاد عقوبة عليه بسبب المفرقعات، وهو ما يؤكد أن الوضع يتطلب إعادة النظر في العقوبات حتى يتم وضع حد لهذه الظاهرة.
يوم أمس قام الحكم محمود أبو مصطفى بإنهاء مباراة الشاطئ والصداقة في الجولة الحادية عشرة لبطولة دوري "OOREDOO" الممتاز لكرة القدم بسبب إصابة زميله ومساعده خالد بدير بمقذوف ناري تم رميه من المدرج المُخصص لجماهير الشاطئ.
وفور التعبير عن رفض هذه الظاهرة، اعترض البعض واعتبره بمثابة اتهام واضح وصريح لجماهير الشاطئ وبالتالي حتمية قرار الاتحاد بتخسير النادي، وهذا الاعتقاد ليس في محاله، فلسنا كإعلام من نوجه أحداً لفرض عقوبات.
وهناك من اعتبر هذا بمثابة إثبات على إدانة جماهير الشاطئ، وهناك من قال إن مدسوسين هم فعلوا ذلك، فيما أعلنت إدارة الشاطئ عن قيامها بتقديم شكوى لدى الشرطة ضد اثنين من المتهمين بإلقاء المفرقعات من مدرجات جماهير النادي.
اليوم أعتقد أننا نجحنا في تحقيق الهدف وهو إشراك الأندية في تحمل المسؤولية، ونجحنا في تحقيق أول حالة شكوى رسمية من أندية ضد عناصر مُخربة في صفوف الجماهير، سواء أكانت تلك العناصر من مُشجعي النادي أو مُندسين كما قالت إدارة النادي، لن المهم هو قيام إدارات الأندية بواجبها ودورها وبالتالي سيحسب كل أفراد الجمهور ألف حساب قبل أن يفعل شيئاً يضر بناديه أو بالمصلحة العامة.
وهنا نقول أنه طالما أن المُخربين في صفوف الجماهير لا يأمنون العقاب، فإنه لن يُسيئوا التصرف أو السلوك أو الأدب، وهو ما نريده، ولعل مباراة الشاطئ والصداقة تكون عِبرة لمن يعتبر وتكون بمثابة نقطة تحول في مسيرة البحث عن حلول للأزمات التي تتسبب فيها الجماهير.
كما وأن الشرطة واتحاد كرة القدم سيكونان أمام مسؤولية مساعدة الأندية على أن تكون شريكة في لجم المخالفين، وذلك من خلال مساعدتهما للأندية على التخلص من هذه الفئة من خلال فرض عقوبات رادعة من شأنها إنهاء هذه الظاهرة.