مرة بعد مرة اجتمع المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وقرر وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، لكن التنسيق ما زال مستمراً، يقتل ويضرب في كل مكان بالضفة المحتلة، ومرة بعد مرة اجتمع ذلك المجلس، وقرر تفعيل المقاومة الشعبية، لكنها ظلت مطاردة من قبل أجهزة أمن السلطة، ما مكّن الاحتلال من اقتحام أعماق المدن الفلسطينية، واغتيال شبابها في وضح النهار كما جرى في مدينة نابلس أخيراً، وتواصلت سياسة الباب الدوار، التي جعلت العديد من أبناء الضفة يُعتقلون من قبل الاحتلال بمجرد خروجهم من سجون السلطة، والعكس.
وإذا عدنا إلى محاضر اجتماعات المجلس الوطني سنجد أنه قرر في عام 2015 وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتكليف اللجنة التنفيذية بمتابعة الأمر، والتي قررت بدورها بعد مرور عام كامل البدء الفوري في تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الخاصة بتحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع سلطات الاحتلال، وكلفت اللجنة السياسية بمتابعة الأمر.
لكن جديداً لم يحدث فأكدت اللجنة التنفيذية مرة أخرى عام 2017 على وجوب استمرار تنفيذ قرارات المجلس المركزي، المتعلقة بتحديد العلاقات مع سلطات الاحتلال، وأيضاً لم يتغير شيء على أرض الواقع فطالبت اللجنة التنفيذية عام 2018 الحكومة هذه المرة، بالبدء فورا بإعداد خطط فك الارتباط مع الاحتلال على المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية، وقررت تشكيل لجنة عليا لتنفيذ قرارات المجلس المركزي.
وفي العام ذاته 2018 اجتمع المجلس المركزي الذي يبدو أنه لاحظ بدوره عدم حدوث جديد في هذا المجال، فأكد على قراره السابق بإنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة كافة تجاه اتفاقاتها مع سلطات الاحتلال، وفي مقدمتها تعليق الاعتراف بدولة (إسرائيل) إلى حين اعترافها بدولة فلسطين، وخول المجلس المركزي الرئيس واللجنة التنفيذية متابعة وضمان تنفيذ ذلك، وفي عام 2019 قررت الحكومة في الضفة الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال.
وفي إيار عام 2020 قررت قيادة السلطة وقف التنسيق الأمني والعلاقات والاتفاقات مع الاحتلال الصهيوني، رداً على خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية وبسط سيطرة الاحتلال عليها.
وهكذا سنجد أن القرار تمت مناقشته على أعلى المستويات مرات متعددة خلال خمس سنوات، وكانت المسألة في غاية الوضوح والحزم، ولابد من عقاب من امتنع عن تنفيذ ذلك، هذا ما يتصوره العقل السليم، ولكن ذلك لم يحدث.
حيث إن مفاجأة كبيرة غيرت المسار كله يوم 17 تشرين الثاني 2020 حيث أعلن وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ في تغريدة على تويتر عن قرار السلطة بعودة مسار العلاقة مع الاحتلال كما كان، بعد رسالة (إسرائيلية) رسمية التزم فيها الاحتلال بالاتفاقات الموقعة، وبذلك هُدمت قرارات أعلى المستويات القيادية في منظمة التحرير، دون أي اجتماعات، أو دراسات، في لحظة واحدة بتغريدة عاجلة.
ولك أن تتخيل الفارق بين قرار تتخذه أعلى المستويات في المنظمة، وتستغرق في مناقشته وإعادة مناقشته مرة بعد مرة خمس سنوات كاملة دون أي فعل على الأرض، وقرار تنفيذي يتخذه وزير بشكل لحظي، ودون الرجوع لأحد.
قد يبدو كل ما جرى ممكنا في ظل الواقع المزري الذي تعيشه السلطة، لكن ما هو أكثر عجبا أن يجتمع المجلس المركزي مجددا في عام 2022، ليعلن في صورة أقرب إلى الهزلية منها إلى الواقع؛ قراره تعليق الاعتراف بـ(إسرائيل)، ووقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة، مكلفا اللجنة التنفيذية بوضع الآليات المناسبة لتنفيذ هذا القرارات وفق ما تقتضيه المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
وهنا أسئلة متعددة: كيف لم ينتبه المجلس المركزي أنه قرّر وقف التنسيق الأمني قبل ذلك أكثر من مرة؟ وكيف فعل ذلك دون أن يعاقب من لم ينفذ قراراته السابقة؟ وكيف يجتمع مع من لا ينفذون قراراته؟ وكيف انتخب لعضوية اللجنة التنفيذية شخصاً هدم عبر تغريدة كل قراراته السابقة دون اكتراث؟
وكيف للشعب الفلسطيني أن يصدق ما يجري؟ أمن المعقول أن تنحدر قيمة قرارات بهذه الأهمية، ومن هذه المؤسسة لتتحول إلى مجرد قنبلة دخانية تغطي على قرارات غير شرعية؟ وهل بات خيال السلطة قاصراً لدرجة أن تكرر الأفعال ذاتها، دون أي ابتكار جديد؟