تفاقم موجة الحر التي تضرب المنطقة، منذ بداية الأسبوع الجاري، والمصحوبة بنسب مرتفعة من الرطوبة، من المعاناة الإنسانية لسكان قطاع غزة، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لمدة 20 ساعة في اليوم.
ويحاول المواطنون الغزيّون التخفيف من تأثير موجة الحر عليهم، عبر الخروج للتنزه في الأماكن العامة، وبخاصة شاطئ البحر، رغم تحذيرات "سلطة البيئة" من السباحة فيه، بسبب تلوثه بالمياه العادمة، جرّاء توقف عمل "محطات المعالجة".
ويعاني قطاع غزة الذي يعيش فيه نحو 2 مليون نسمة، من أزمة كهرباء حادة في الوقت الراهن، إذ تصل ساعات قطع التيار الكهربائي إلى نحو 20 ساعة يومياً.
وتهرب الفلسطينية سلوى أبو عميرة (62 عاماً)، من سكان مخيم الشاطئ، غربي قطاع غزة، برفقة عائلتها، من الرطوبة التي تقول إنها تملأُ منزلها جرّاء ارتفاع درجة حرارة الجو، إلى شاطئ البحر.
وتقول أبو عميرة، إن موجة الحر التي تتزامن مع أزمة الكهرباء، تفاقم من معاناتها، خاصة وأنها مصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم، إلى جانب "السكري"، كما أنها تعاني من نزيف داخلي في "شبكية" العين.
وتضيف:" الحرارة، والرطوبة لا تناسب شخصاً مصاباً بهذه الأمراض وقد تتسبب له بمضاعفات صحيّة".
كما تسببت موجة الحر في إصابة الأطفال المتواجدين داخل منازلهم بالأمراض الجلدية كـ"الحساسية"، وارتفاع درجة الحرارة "السخونة".
وتبيّن أبو عميرة أن أحفادها أيضاً لم يسلموا من الأمراض التي يتسبب بها الحر، خاصة في ظل انعدام القدرة على تشغيل أجهزة التهوية الكهربائية.
ولم تجد أبو عميرة، مكاناً يوفّر لها جواً مناسباً يقيها من حر الجو، غير البحر، رغم تلوثّه بمياه الصرف الصحي، نتيجة توقّف محطّات المعالجة، جرّاء أزمة الكهرباء، منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي.
وتقول:" نبحث عن أخف الضررين، نخرج لشاطئ البحر كي لا نموت من الرطوبة في المنازل، لكننا نمنع الأطفال من النزول للسباحة خوفاً عليهم من الإصابة بالأمراض نتيجة تلوّث البحر".
وتعتبر أبو عميرة الخروج من المنزل للتنزه بسبب أزمة الكهرباء، وارتفاع درجة حرارة الجو، أمراً مكلّفاً مادياً، ويضيف أعباءً اقتصادية جديدة على عاتق الأسرة.
وتضيف:" مثلاً، نحتاج للجلوس على طاولة، تطل على شاطئ البحر، لدفع 10 شواكل (ما يقارب 3 دولارات)، عدا عن تلبية احتياجات الأطفال".
وفي ذات السياق، تعاني أبو عميرة من فساد الأطعمة في الثلاجات جراء تزامن أزمة الكهرباء مع ارتفاع درجة الحرارة.
وتستكمل قائلة:" حتّى الطعام بتنا نشتريه من الأسواق بشكل يومي، لأنه يفسد لو بقي لمدة يوم كامل داخل المنزل، بسبب توقف عمل الثلاجات".
وداخل أحد محلّات المرطّبات في مدينة غزة، يقف أشرف أبو شعبان، يتابع طلبات الزبائن المتزايدة، خلال موجة الحر، على المرطبّات والمثلّجات.
ويقول أبو شعبان، صاحب محلاّت مرطّبات "كاظم":" يزداد إقبال الناس على البوظة والبرّاد (مشروب مثلّج بنكهات مختلفة)، بشكل طارئ خاصة في ظل انقطاع الكهرباء في المنازل".
ويرى أبو شعبان أن استمرار أزمة الكهرباء بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة تدفع الناس للخروج إلى "الهواء الطلق"، محاولين إيجاد متنفسٍ لهم، ولو كان بسيطاً من خلال التواجد في الأسواق وتناول المرطبات، على حدّ قوله.
ويذكر أبو شعبان أن استمرار أزمة الكهرباء يؤثّر على المنشآت الخاصة بتصنيع "المثلّجات"، والتي تعتمد بشكل كامل على التيار الكهربائي.
وتابع:" نضطر آسفين لاستخدام المولدات الكهربائية لمدة 24 يومياً، لأن التيار الكهربائي في حال وصله، يكون ضعيفاً، وتنعدم قدرته على تشغيل الآلات والثلاجات الكبيرة".
ويوضح أن تشغيل المولد الكهربائي يضيف أعباء مالية عليهم بسبب غلاء أسعار الوقود، إذ تصل تكلفة شراء الوقود من (60-70)% من قيمة إجمالي الأرباح.
بدوره، يقول علي كايا، أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة فلسطين بغزة، إن تفاقم أزمة الكهرباء، ووصول ساعات فصل التيار لأكثر من 20 ساعة يومياً، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، يؤثر على كافة الفئات العمرية في قطاع غزة، سيما الأطفال.
وتابع:" الوضع الإنساني، في ظل هذا الجو الحارق، بات لا يطاق".
وذكر أن ساعات وصل التيار الكهربائي من قبل الشركة المزوّدة، لا تكفي لشحن البطاريات المُشغّلة للإضاءة والتهوية.
وقال:" أجهزة التهوية التي تعمل على شحن الكهرباء، غير مُجدية في ظل هذه الأزمة، كما أن لمبات الإضاءة الموفرة "الليد"، لا تؤدي الغرض".
ويؤكد كايا أن تأثير أزمة الكهرباء انعكس على كافة تفاصيل الحياة في القطاع، مضيفاً:" في كل منزل تجد الثلاجات متوقفة عن العمل، والطعام يتم تحضيره أولاً بأول بسبب انقطاع الكهرباء".
ويلفت إلى أن المعاناة الإنسانية جرّاء ارتفاع درجات الحرارة وغياب البديل الكهربائي، طالت الطلبة الجامعيين، لهذا الفصل، مشيراً إلى أنها ستؤثر على تحصيلهم الدراسي العام.
وعلى أحد الكراسي الإسمنتيّة المُطّلة على شاطئ مدينة غزة، يجلس الشاب أحمد سالم، وهو طالب جامعي، يتناول غداءه برفقة زميل له.
ويُفضّل الشابان استكمال دراستهم في هذا المكان، نظراً لارتفاع نسبة الرطوبة داخل المنازل جرّاء استمرار موجة الحر، وانقطاع التيار الكهربائي.
ويقول سالم:" لا نستطيع الجلوس في المنازل بسبب الحر، حتى أصبحنا لا نستطيع الدراسة، فنهرب إلى هنا".
ورغم أن معاناة قطاع غزة، من نقص الكهرباء قديمة، إلا أنها تفاقمت إثر قرار دولة الاحتلال الإسرائيلي منتصف يونيو/حزيران الماضي، بتقليص إمداداتها من الكهرباء للقطاع، بنحو 40 ميجاواط، من أصل 120 ميجاواط، هو مجموع ما تمده للقطاع.
ويحتاج قطاع غزة إلى نحو 450 ميغاواط من الكهرباء، لا يتوافر منها حالياً سوى نحو 150 ميجاواط.
وتقول دولة الاحتلال إنها قلصت الكهرباء بناء على طلب من السلطة الفلسطينية، التي تدفع ثمن التيار الكهربائي المباع للقطاع.
وسبق لرئيس السلطة محمود عباس أن أعلن أنه بصدد تنفيذ "خطوات غير مسبوقة"، بغرض إجبار حركة حماس على تسليم إدارة قطاع غزة لحكومة رامي الحمد لله.
العلاج بالخارجحصارغزةمرضىوقفة

