فلسطين أون لاين

في غياب منظومة العدالة

يُعتقَل "باسل" ويُطارَد شقيقاه.. ويُخفى 15 شاهدًا

...
صورة أرشيفية
جنين-غزة/ مريم الشوبكي:

دخلت نجية حنايشة سجن "وقائي السلطة" في جنين، لتبرد نار قلبها بلقاء فلذة كبدها، فصعقت من هول الحالة التي رأته عليها.. نظرت إلى "باسل" حيث يجلس على كرسي أمامها، تساقطت دموعها حينما رأت يده متورّمة، سألته: "مالك يما؟".

بصوت مقهور ردّ باسل: "يمّا شبحوني من يدي المكسورة بالشبّاك، خلّيهم يداوُوني وما بدي إشي منهم"، زاد الغضب في قلب نجية بعد إلحاح ابنها: "يمّا شوفيلي محامي أنا بحياتي ما انسجنت".

باسل من بلدة قباطية، اختطفه جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة منذ ثلاثة أشهر، هو ابن المُحرّر المقدّم في السلطة ياسر حنايشة الذي قضى 15 عامًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتُوفّيَ قبل عامين.

اختُطف باسل من داخل السيارة أثناء توجُّهه إلى الحلّاق، وسُجن دون توجيه أيّ لائحة اتهام بحقه، تقول والدته نجية لصحيفة "فلسطين": "اتُّهم زورًا بأنه قاد سيارة شخصٍ قُتِل في البلدة إثر خلافات عائلية، وعائلة المقتول لديها أشخاص يحتلّون مناصب عُليا في الأجهزة الأمنية، ووجَّهوا له التُّهمة وتركوا الفاعل الحقيقي حُرًّا طليقًا".

تمتلك نجية (53 عامًا) مقاطع فيديو تُثبت براءة ابنها، و15 شاهدًا ممّن شاهدوا باسل وهو على رأس عمله في حسبة قباطية حيث يبيع القهوة والشاي على بسطة".

عرض باسل على المحكمة وفي أثناء محاكمته طلبًا من المُدّعي العام الأخذ بشهادة الشهود، ليُجيبه: "بس يجي معاد الجلسة بنزلوا الشهود"، جاء موعد الجلسة الثانية، حضر باسل وحضر الشهود، ولم يحضرْ المُدّعي العام ليبقى باسل  داخل السجن.

يُضرب باسل عن الطعام منذ 20 يومًا، وقد حدّث باسل أمه عن التّعذيب والشّبح الذي تعرّض له، تروي: "خضع ابني لساعات طويلة تحت التعذيب والشبح لكي يُقر بجريمةٍ لم يرتكبها في الأصل، ومن شدّة التعذيب أُرغم على الاعتراف على شيءٍ لم يفعلْه بل لُفّق له بُهتانًا وزورًا".

تتابع: "حينما كان يُعذّب، كانت تأتي الاتصالات لمُعذّبه بأن يزيد من وتيرة التعذيب حتى يُرغمَه على الاعتراف، ليبقى المجرمُ حُرًّا طليقًا لأنّ له واسطةً قويةً في السلطة، وابني المظلوم ليسَ لهُ إلّا الله".

تُبيّن والدته أنها توجّهت إلى محامٍ لمساعدتها في إثبات براءة باسل، لكنه اعتذر بعد مُدّة عن المُرافعة عنه، إذ تعرّض لضغوطٍ شديدةٍ من أجلِ ترك القضية، مُخبِرًا إيّاها: "النّاس مدعومون من السُّلطة ما بقدر عليهم".

وإمعانًا في الظُّلم لفّقت السلطة أيضًا تُهمتَين لأخَوَيه هيثم، وأدهم وهو محرر قضى عامًا ونصف العام في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأُفرج عنه منذ أيامٍ قليلة، واعتُقل سياسيًّا عدّة مرات من قبل.

وتوضّح أنّ أمن السلطة يتّهم أدهم وهيثم، بالمشاركة في إحراقِ بيت الشّخص الذي يتّهم "باسل" بالمشاركة في قتله، وحتى اليوم هما مطاردان.

تعيش نجية (53 عامًا) حياة بسيطة في بيتها الريفي في بلدة قباطية، تعمل منذ الفجر حتى الساعة العاشرة مساء في الزراعة، لتستطيع أن تؤمّن قوت يومها ومعيشتها، بعدما قامت السلطة باعتقال باسل، ومطاردة الآخرين.

أصبح بيت نجية باردًا لا تسمع فيه سوى صدى صوتها، تقضي يومها كلّه في العمل حتى تُنهك وتغفو من التعب، محاولة التغلُّب على عقلها وثنيه عن التفكير فيما آلَ إليه حال أبنائها الثلاثة الذين حرمتها السلطة منهم.

منذُ أربعةِ أشهرٍ لا تغفو عينا نجية البتةَ تفكيرًا بباسل وهيثم وأدهم، وكيف أنّ السلطة أضاعت مستقبلهم، تطلب من قاضي السماء أن ينصفَهم ويظهرَ براءتهم بعدما أَصمّ المُدّعي العام أُذُنيه مرارًا وتكرارًا عن سمع طلبها باستدعاء الشهود الذين يتهرّب من مقابلتهم.

باسل هو ابن قلبها، فهو الأقرب إليها روحًا، وهو الأكثرُ برًّا وحنانًا عليها، دمث الخُلق، مُلتزمٌ في صلاته وعباداته، يلتزم بصيام يومَي الاثنين والخميس، هادئ ليس لديه عداوة مع أيّ شخصٍ في البلدة، وكان يخصّص جزءًا من دخله اليومي البسيط لمساعدة الفقراء، وفقَ والدته.