في أعقاب عملية الاغتيال الإجرامية للأبطال الثلاثة من نابلس، وفي ضوء هذا الحشد الجماهيري الهائل وراء جنازة الثلاثة، وبعد أن تابعنا التهديدات من قبل كتائب شهداء الأقصى والقوى الوطنية الفلسطينية الأخرى بالرد بالمثل على جريمة الاحتلال، فإن السؤال الكبير الذي يخالج الآن كل الفلسطينيين:
هل ستفجر عملية الاغتيال الإجرامية وهذا الحشد الجماهيري الغاضب مواجهات مسلحة من قوات الاحتلال، أو سنشهد انتفاضة فلسطينية عارمة تفجرها مدينة جبل النار….؟!
هل ستشعل نابلس الارض تحت اقدام الاحتلال وستعتبر هذه نقطة تحول في المشهد الميداني الفلسطيني….؟!
وهل يمكننا ان نوثق بان نابلس المتجددة في ملحمة الصمود والكفاح الفلسطيني تقود المشهد الانتفاضي الفلسطيني في نسخته الجديدة الشبابية في عام 2022…؟!
ان غدا لناظره قريب….؟!
ربما نكثف ما جرى ويجري في مدينة نابلس كما هو موثق في سجل الكفاح الفلسطيني خلال سنوات الاحتلال بالقول:
– هناك حرب منسية تدور رحاها على مدار الساعة في مدينة جبل النار…!
– مدينة نابلس تتعرض لأطول حصار وتواجه أوسع اجتياحات حربية منذ سنوات.
– تفجير منازل واعتقالات وقرصنة – وحظر للتجول مفتوح.
-النابلسيون يسطرون ملحمة مفتوحة في موسوعة النضال والصمود الفلسطيني.
فهذا الذي جرى في مدينة جبل النار، انما من شانه ان يوقظ النائمين والمخدرين الذين استكانوا لأوهام السلام، وغفلوا عن حقيقة الاحتلال الاحتلالية الاقصائية الاجرامية.
فها هو الذراع العسكري الاغتيالي الاحتلالي يعود الى نبش الذاكرة المتعلقة حصرا بمدينة نابلس، وهاهي الاجتياحات والاغلاقات والحصارات الاحتلالية تداهم الجميع على حين غفلة، لتفرض ايقاعها مرة اخرى ربما بعد الالف على اهل المدينة واهل فلسطين..!.
فبأقدامها على هذه العملية تعيدنا سياسة الاغتيالات الاحتلالية الى الواقع مرة اخرى، بعد ان تاه الكثيرون في متاهات الانقسام والتشظي والمفاوضات الوهمية وانتظار الدولة..!.
وبأقدامها على هذه الاعدامات بدم بارد للأبطال الثلاثة، انما تربط ربطا جدليا واستراتيجيا بين ما يجري هناك في غزة من حصارات واطواق وتجويع تركيعي ومن حروب محارقية، وبين ما يجري في نابلس وانحاء القدس والضفة من سياسات تطهيرية متكاملة.
فالسياسات الاسرائيلية اتجاه الضفة بعامة ونابلس بخاصة هي هي لم تتغير، بل هي تتكرس، والحصارات والاطواق والاغلاقات والاغتيالات والاعتقالات هي هي لم تتغير ايضا.
والاستيطان السرطاني الذي ينهب الارض والشجر ويمزق اوصال الضفة ويدمر مقومات الدولة، انما يتمدد من يوم ليوم …!
والاستهداف الاحتلالي لمدينة نابلس العريقة هو هو لم يتغير برغم كل المشاريع الاقتصادية المعدة لنابلس بغية خلق المدينة الجديدة والانسان الفلسطيني الجديد..!
فكيف يمكن ان يصنع فلسطيني جديد مسالم معايش وديع في ظل احتلال وحشي استعماري الغائي..!
فنابلس “التاريخ والتراث والأصالة والعراقة والمنتمي، تحمل من الجراحات أثقالا وأحمالا، فكل حجر من حجارتها، كل شجرة من أشجارها، كل زهرة من أزاهيرها، كل طير من أطيارها، وكل نسمة من أنسامها، تحكي أنها اعتدي عليها في ليلة من لياليها الليلاء، وأن قدما غريبة قد داست ترابها الطهور، لكنها لم تترجل عن صهوة الإباء والكبرياء-كما يوثق لنا ابن نابلس البار وشاعرها لطفي زغلول”..!
ف”ما أصعب أن يطأ الغزاة المغتصبون مساجدها ، مآذنها ، معاهدها ، مشافيها ، عياداتها ، أسواقها التجرية ، بيوتاتها الآمنة بيتا بيتا ، وأن ينالوا منها منالا، و ما أقسى أن يعيثوا بها خرابا وتدميرا، حزينة هي خلف القضبان والحواجز الأمنية، لكنها لا تعرف الانكسار، ولا طأطأة الرأس-يضيف زغلول”.
لذلك- حينما نتابع المشهد المروع الماثل أمامنا في فلسطين، ونرى تلك الحملات الحربية التدميرية الاغتيالية المتلاحقة المكثفة المركزة.. وذلك الحصار القمعي التنكيلي العقابي الإرهابي المستمر بلا توقف وعلى مدى سنوات عديدة ضد مدينة نابلس وقراها ومخيماتها على نحو خاص، تتجدد الاسئلة -المزمنة-على الاجندات الفلسطينية الفصائلية المختلفة:
– لماذا نابلس على وجه التحديد..؟
– لماذا لم تشهد المدينة على مدى سنوات احتلالها يوم راحة وارتياح من جحيم الاحتلال…؟!
– لماذا كل هذا الهجوم الاحتلالي التدميري المحموم المتواصل ضد المدينة وأهلها..؟
حقائق كبيرة تقف عمليا وراء الاجندة الاحتلالية الاستهدافية لمدينة نابلس، وكلها على تماس مباشر واستراتيجي مع مكانتها في الخريطة الجيوسياسية الفلسطينية والنضالية على نحو حصري.
مجددا يبرهن اهل مدينة جبل النار ان المدينة عصية على الكسر، وان الاحتلال لن ينال منها مهما طال الحصار ومهما تواصلت الاغتيالات والاعدامات والاعتقالات.
كثيرة هي المآسي والكوارث التي خلفتها الاجتياحات العسكرية الاحتلالية على صعد شتى ، إلا أن استهداف نابلس القديمة بميراثها التاريخي والحضاري قد ترك جراحات من الصعب اندمالها.
النابلسيون ما زالوا يتذكرون زلزال العام 1937 الذي ضرب فلسطين بعامة ونابلس بخاصة، وبرغم شدته وقسوته فإن ذلك الزلزال لم ينل من هذه المدينة ما نالته الاجتياحات العسكرية الاحتلالية التي استهدفت عمداً متعمداً النيل من تراثها الحضاري وانتمائها إلى التاريخ والأصالة، فصورة نابلس القديمة التي عرفتها الأجيال تلو الأجيال قد تغيرت بعض ملامحها، فثمة فراغات غريبة لا تكاد تصدقها العيون تشاهد لأول مرة في تاريخها جراء الاجتياحات البربرية، وثمة غياب لمعالم حضارية تاريخية عاشت قروناً مع الأجيال.
ولكن بالرغم من كل هذه القسوة والشراسة الاحتلالية، فإن نابلس تبقى إضاءة في الفضاء الفلسطيني…!
وتبقى متجددة في ملحمة الصمود الاسطوري في وجه مشروع التدمير والالغاء الاحتلالي…!