في مثل هذا اليوم وقبل أربعة أعوام بالتمام، خيَّم الظلام على مدينة جنين، ورغم الهدوء الذي لفَّ الساعات الأولى من تلك الليلة، إلا أنه تبدد صباحا على خبر استشهاد أحمد جرار الذي أصبح رمزا يتحدث عنه العالم أكمل.
مع صباح ذلك اليوم اقتحمت قوة خاصة من وحدة اليمام الإسرائيلية بلدة اليامون جنوب جنين، وكخفافيش الظلام، توجّهت تلك القوات قبل بزوغ الفجر، إلى حيث يقطن أحمد، داعية إياه بمكبرات الصوت لتسليم نفسه، إلا أنه رفض ذلك، وخاض اشتباكا مسلحا مع جيش بكامل عدته وعتاده، فقاوم حتى استشهد وهو يحمل سلاحه ومصحفه.
أحمد نصر خالد جرار (23 عاما)، تميز بالالتزام الديني والأخلاق العالية، ينحدر من عائلة مجاهدة، فوالده هو من قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام في جنين، المعروف بجهاده منقطع النظير رغم بتر يده وساقيه، ليستلم أحمد من بعده الراية، فيقود خلية قسامية مجاهدة في جنين، نفذت عملية "حفات جلعاد" في نابلس، والتي أدّت لمقتل مستوطن إسرائيلي.
تحوّل الشهيد أحمد جرار لأسطورة حية بعد تلك العملية الجريئة التي نفذها ضد أحد حاخامات المستوطنين المتطرفين، لينزل وقع العملية كالصاعقة على الاحتلال وأمنه.
فبالنظر للعملية ونتائجها، إضافة للتوقيت الزماني والمكاني لها، أكد محللون أنها عملية ناجحة بامتياز؛ حيث جاءت في أعقاب تدهور الوضع السياسي، وفي ظل أجواء أمنية مشددة.
فاختيار موقع العملية "حفات جلعاد" وهي منطقة مستوطنات، لا تخلو من دوريات جيش الاحتلال المستمرة، ما عُدّ تجرؤا كبيرا من الشهيد، إذ نفذ عمليته وانسحب بشكل آمن، وهو ما كسر نظرية الأمن التي يحاول الاحتلال التباهي بها.
كما أنّ توقيت العملية حينها جاء في ظل استنفار جهاز "الشاباك"، وحملة اعتقالات يومية خشية تنفيذ عمليات مشابهة، وهو ما يدلل بشكل واضح على فشل تقديرات الأجهزة الأمنية للاحتلال، وعلى رأسها الشاباك، الذي كان يقول إنه قضى على الفعل المقاوم في الضفة الغربية.
ولم يخفِ الاحتلال، صدمته من القوة والمهارة التي نفذ بها الشهيد جرار ورفاقه العملية، فقد وصفها وزير الدفاع الصهيوني وقتها "ليبرمان" بـ"العملية الخطيرة والصعبة للغاية"، ليبدأ فصل المطاردة للخلية من قوات الاحتلال بكامل أجهزتها الأمنية، لما يقارب الشهر، فشلت خلاله مرتين في الإمساك بجرار، إلى أن حان موعده مع الشهادة.
أيقونة المقاومة
شكّل أحمد وخلال فترة مطاردته أسطورة تعطّش لوجودها جيل كامل في الضفة الغربية، فبات أيقونة للجهاد والمقاومة، أجبرت الأحرار كافة على الالتفاف حولها والانتصار لها، فقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا ملحوظا من الجميع، تحدثوا فيه عن سيرة الشهيد وبطولاته أثناء تنفيذ العملية وخلال مطاردته، إلى حين استشهاده.
وتحوّل أحمد جرار إلى بوصلة للأحرار ليسيروا عبرها نحو تحرير القدس والمسجد الأقصى، ويوصلوا رسالة لقوات الاحتلال، أنّ استشهاده لن يكون مُجرّد حدث عابر مرّ مرور الكرام، بل ستبقى ظاهرة لها أوانها وزمانها إذا استمر ظلم هذا الشعب وتجاهل حقوقه ومطالبه بالحرية، ليبقى النصر جرارا.
هذا هو ما حدث بالفعل حين انسدل ستار عام 2018 عن سلسلة من العمليات البطولية النوعية التي هزّت دولة الاحتلال بالكامل، ولن يسعنا إلا ذكر الأبطال أشرف نعالوة وصالح وعاصم البرغوثي، وغيرهم ممن دوخ الاحتلال بفعله المقاوم، وانسحابه من مكان العملية بسلام.